الهدهد: إنه لم يرد به: الهدهد المعروف؛ إذ لا يجوز للهدهد من العلم أكثر مما يكون لسليمان ولغيره، ولكن أراد به: الرجل، وهو الإمام الذي يدعو الناس إلى الهدى، ويدلهم على الرشد.
وليس كما قالوا؛ لأنه إنما ذكر هذا على التعجب، ولو كان ذلك إنسانًا ممن يكون له قول وكلام، لم يكن لذكر ذلك منه كبير تعجيب ولا فائدة؛ دل أنه ليس كما قالوا.
وقوله: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) أي: لا يكسرنكم، والحطم: هو الكسر.
وفي حرف ابن مسعود: (لا يحطمكم) على طرح النون والتشديد.
وقوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ): قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا من النملة ثناء على سليمان ومدح عليه لعدله في ملكه وسلطانه: أنه لو شعر بكم، لم يحطمكم ولم يهلككم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أي: لا يشعر جنوده كلام النملة، وهذا يدل أن النملة كانت رئيسة سائر النمل وسيدته؛ حيث قالت ذلك من بين غيرها من النمل، وعلى كل رئيس وسيد للقوم أن يحفظ رعيته وحواشيه عما يحملهم على الفساد.
وقول من قال: إن النمل يومئذ كان كالذباب عظيمًا، لا يحتمل؛ لأنها لو كانت كما ذكر لم يكن لقوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) معنى؛ لأنها لو كانت كالذباب يشعرون بها، فدل أنها كانت على ما هي اليوم، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) قَالَ بَعْضُهُمْ: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا) أي: سبح اللَّه لما فهم من قول النمل وحمده عليه، وتبسم الأنبياء: التسبيح.
وجائز أن يكون التبسم: هو السرور؛ إذ التبسم إنما يكون لسرور يدخل في الإنسان، فقوله: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا) أي: سر بما أعطاه اللَّه من عظم النعمة له والملك؛ ألا ترى أنه سأل ربه الإلهام؛ ليشكر نعمه التي آتاه اللَّه حيث قال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ)، سأل ربه الإلهام واللطف الذي يكون منه؛ ليشكر نعمه، ولو كان الإلهام هو الإعلام على ما قاله بعض الناس، لم يكن سليمان ليسأله ذلك؛ لأنه كان يعلم أن عليه شكر نعمه؛ وكذلك يعلم كل أحد أن عليه شكر منعمه، فدل سؤاله الإلهام على الشكر أنه إنما سأل اللطف الذي عنده به يشكر نعمه إذا أعطاه، وهو التوفيق، لا الإعلام الذي قالوه.
وقوله: (وَعَلَى وَالِدَيَّ) فيه أنه يجب على المرء شكر النعم التي أنعم اللَّه على والديه.
وسأل ربه -أيضًا- أن يوفقه على العمل الذي يرضاه منه، حيث قال: (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ).


الصفحة التالية
Icon