عنهم العذاب.
ثم اختلف في قوله: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا قول إبراهيم لقومه؛ كقوله: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ)؛ وكقوله: (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ). وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا قول الرسول لقومه الذين عبدوا الأصنام، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦)
قوله: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) يحتمل وجهين:
أحدهما: قوله: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي: أظهر له لوط الإيمان من بين غيرهم، وقد كان لوط مؤمنا من قبل ليس أنه أحدث له الإيمان في ذلك الوقت، ولم يكن مؤمنًا قبل ذلك، ولكن ما ذكرنا أنه أظهر له الإيمان من بين غيرهم.
والثاني: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) فيما دعاه إليه وهو الهجرة، أي: فيما أخبر أنه أمر بالهجرة فاستصحبه فيها.
وقوله: (مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي): قال أهل التأويل: هذا قول إبراهيم كقوله: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي).
وجائز أن يكون قوله: (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) قول لوط.
ثم لم يفهم من قوله: (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي)، وقوله: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي)، انتقاله أو المكان أو شيء مما يوجب التشبيه مما يفهم من الخلق، فكيف يفهم من قوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ)، وقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ)، و (اسْتَوَى)، وأمثاله - ما يفهم من مجيء الخلق وإتيانهم واستوائهم؛ إذ لا فرق بين مجيء آخر إليه وبين مجيئه إلى آخر؛ هذا في الشاهد سواء، فكيف فهم في الغائب في أحدهما ما لم يفهم من الآخر، وهما سيان في الشاهد؟! فدل أنه لا يجوز أن يفهم منه شيء من ذلك ما يفهم من الخلق؛ إذ أخبر أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
وقوله: (وَوَهَبْنَا لَهُ... (٢٧) يعني: لإبراهيم، (إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ): ذكر أنه وهب له إسحاق ويعقوب؛ ليعلم أن الولد هبة اللَّه، وكذلك ولد الولد؛ لأن يعقوب كان ولد ولده، حيث قال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)، فكلهم هبة اللَّه إياه، قال:


الصفحة التالية
Icon