أرض فاخرجوا منها إلى أخرى فاعبدوني ولا تعبدوا غيري؛ فإن أرضي واسعة؛ فلا عذر لكم بالمقام في أرض تمنعون فيها عن عبادتي وإظهار ديني، إلا المستضعفين الذين استثناهم في آية أخرى؛ حيث قال: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا)، عذرهم بما فيهم من الضعف لترك الخروج والمقام بين أظهرهم، وكتمان الإيمان والعبادة له سرًّا، وإن لم يقدروا على إظهاره، فأما من كانت له حيلة الخروج فلم يعذره.
وقوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (٥٧) ذكر هذا - واللَّه أعلم - على إثر ما ذكر؛ لئلا يمنعهم عن الخروج والهجرة خوف ضيق العيش؛ يقول - واللَّه أعلم -: كل نفس تذوق الموت إذا استوفت رزقها لا محالة، ولا تذوق قبل استيفائها رزقها؛ فلا يمنعكم خوف ضيق العيش فإنها تذوق ذلك لا محالة، خرجت أو لم تخرج إذا استوفت رزقها، وهو ما قال: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ)، أي: لو كان المكتوب عليه القتل يبرز لا محالة حتى يقتل؛ فعلى ذلك المكتوب عليه الموت يذوقه لا محالة، أخرج، أو أقام، واللَّه أعلم (ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ... (٥٨) أي: لنهيئنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا) يقال: بوا: أنزل وهيأ، و " لَنُثْوِيَنَّهُمْ " من الثواء، وهو الإقامة.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: هو من ثويت بالمقام: إذا أقمت به، وبالباء (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ): أي: لننزلنهم.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: أي: لننزلنهم منها منزلا يقيمون فيه، والثواء: الإقامة.
وقال أبو معاذ: بوأها: هيأها، والمثوى: المنزل، والثاوي: المفيف خَالِدِينَ يهَأ نِعْمَ أَتجرُ آلعملِدٍ) أي: ثوابهم وجزاؤهم.
وقوله: (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) يحتمل قوله: (الَّذِينَ صَبَرُوا) أي: خرجوا، وهاجروا، وصبروا على الهجرة، وعلى ربهم توكلوا في الخروج والرزق، والذين صبروا على الطاعات وأداء الفرائض.
أو أن يكون الصبر كناية وعبارة عن الإيمان؛ أي: الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون وبه يثقون ويفوضون؛ كقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي: لكل مؤمن.
ومُحَمَّد بن إسحاق يقول: أنزلت الآية بمكة في ضعفاء مسلمي مكة؛ يقول: إن كنتم


الصفحة التالية
Icon