التراب، فإنما هو إخبار عما به قوام أنفسنا وأبداننا، وإن لم نخلق من التراب من الأصل، فيخبر - واللَّه أعلم -: أنكم لا تصورون خلق الجسم إن لم تشاهدوا تلك الطينة التي منها تتكون الأجسام بعد مشاهدة طينتها، ومعاينتكم إياها، ورأيتم القدرة له على خلقها قبل أن تشاهدوا طينتها.
والثالث: نسب خلقنا إلى التراب، وهو آدم؛ على ما ذكرنا، إلا أن قوله: (خَلَقَكُمْ) أي: قدركم من ذلك الأصل، والتخليق: هو التقدير في اللغة، وذلك جائز في اللغة، وإنما قدرنا على تقدير ذلك الأصل، وذلك جائز نسبتنا وإضافتنا إلى التراب، إن صح ما ذكر في بعض الأخبار ذكر: " أن ملكًا يأتي بكف من تراب، فيذره في تلك النطفة في رحم المرأة، فيخلق منه حينئذ الولد "، فإن صح هذا فيكون خلق جميع الناس وأصلهم من تراب.
وقوله: (ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) أي: ثم إذا أنتم ذريته من بعده بشر تنبسطون؛ كقوله: (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ)، أي: يبسط.
أو (تَنْتَشِرُونَ)، أي: تتفرقون في حوائجكم، وفي طلب أغذيتكم، وما به قوام أنفسكم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) أي: من أجناسكم وأشكالكم (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) يقول: إنما جعل ما تسكنون إليه وتتألفون من جنسكم وشكلكم ما تعرفون، لم يجعل في غير جنسكم وشكلكم ما تعرفون؛ كقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)، أي: من جنسكم وشكلكم من تعرفون صدقه وثقته وأمانته ما لو كان من غير جنسكم وشكلكم لا تعرفونه؛ فعلى ذلك جائز قوله: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) أي: من جنسكم ما تسكنون إليها، وتستأنسون بها ما لو كانوا من غير جنسهم لا يكون ذلك؛ إذ يستأنس كل ذي شكل بشكله وجنسه.
والثاني: ما ذكرنا أنه أراد آدم وحواء؛ أي: خلق زوجته حؤاء من نفسه، فجعلها له سكنًا يسكن إليها، وششأنس بها، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) أي: بينكم وبين الأزواج (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) يحتمل قوله: (مَوَدَّةً) وجهين:
أحدهما: يودها؛ لما جعل له موضعًا لقضاء شهوته وحاجته، وكذلك هي توده


الصفحة التالية
Icon