إنما يبدئ ويعيد لحاجة أنفسهم.
أو يخبر أن من قدر على ابتداء الشيء يملك إعادته.
(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) اختلف فيه:
قيل: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) و (هَيِّنٌ) ابتداؤه وإعادته؛ كقوله: (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، وقوله: (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ)، ويجوز العبارة بأفعل عن فعيل؛ نحو ما يقال: الله أكبر؛ أي: كبير، وأعظم بمعنى: عظيم، ونحوه كثير؛ فعلى ذلك قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي: عليه هَيِّنٌ؛ إذ ليس شيء أصعب على اللَّه من شيء، أو شيء أهون عليه من شيء؛ بل الأشياء كلها بمحل واحد داخل تحت قوله: (كُنْ) وإنما يقال: أهون وأيسر، لمن كان فعله بسبب، فيهون عليه إذا كثرت الأسباب، ويصعب عليه ذلك إذا قلت وضعفت، فأمّا اللَّه - سبحانه وتعالى - فهو الفاعل للأشياء، وصانعها، والقادر عليها بسبب وبلا سبب، فلا جائز أن يقال شيء أهون من شيء، وإنما يجوز ذلك فيمن كان فعله لا يكون إلا بسبب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) في عقولكم، وتدبيركم، وتقديركم؛ أي: إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من ابتدائه؛ لأن الخلق لا يملكون تصوير ما لم يسبق له المثال والتصور ابتداء، وقد يملكون تصوير الأشياء وتمثيلها إذا سبق لهم مثال رأوه وشاهدوه؛ فثبت أن إعادة الشيء في عقولكم وتدبيركم أهون من ابتدائه، فإذا عاينتم وأقررتم: أنه قادر على ابتدائه فهو على إعادته أملك وأقدر، ولا قوة إلا باللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) يعني: على ذلك الشيء؛ أي: إعادة ذلك الشيء أهون على ذلك الشيء من ابتدائه؛ لأنه في الابتداء ينقله ويحوّله من حال النطفة إلى حال العلقة، ثم من حال العلقة إلى حال المضغة، ثم من حال المضغة إلى حال التصوير والنسمة إلى ما ينتهي إليه، حتى يصير خلقًا وصورة، فيخبر أن إعادته ليس على هذا التقدير والتحويل من حال إلى حال، ولكن كما ذكر: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، وقوله: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) وقوله: (إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً)، ونفخة ودعوة وما ذكر، فالإعادة لذلك الشيء أهون على ذلك الشيء من الابتداء.
وقوله: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: له الصفات العالية، ثم هو يخرج على وجوه: