للخلق في الدِّين. وقد أمر نبيه بمقاتلة الكفرة مطلقًا، ولعلهم يسلمون في وقت لو تركوا أو بعض منهم؛ دل أن ليس ذلك عليه.
وقوله: (فَتَمَتَّعُوا) وهو في الظاهر أمر، ولكنه يخرج على الوعيد؛ كقوله: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)، وقد ذكر في آية أخرلمحما: (وَلِيَتَمَتَّعُوا)؛ فهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله: (أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (أَمْ أَنْزَلْنَا): بل أنزلنا عليهم سلطانًا وحججًا، فهو يتكلم بما كانوا به يشركون، أي: يبين، ويعلمهم أن الذي هم عليه شرك ليس بتوحيد؛ لأنهم كانوا يقولون: إنا على التوحيد، وإنما نعبد هذه الأصنام (لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، و (هَؤُلَآءِ شُفَعَاؤنَا عِندَ اللَّهِ)، ونحوه؛ فيقول: بل أنزلنا عليهم ما يبين ويعلم أن ذلك شرك وليس بتوحيد.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن قوله: (أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا)، أي: ما أنزلنا عليهم سلطانًا فيأمرهم بما كانوا به يشركون أو يأذن لهم بذلك؛ كقوله: (أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى)؛ فعلى ذلك قوله: (أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا) أي: لم ننزل عليهم سلطانًا يأمرهم بما كانوا به يشركون، أو كانوا يدعون بذلك أمر اللَّه؛ كقولهم: (وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) ففيه وجهان على أُولَئِكَ الكفرة:
أحدهما: ما ذكرنا أنهم كانوا يدعون بذلك الأمر من اللَّه، فيخبر أنهم كذبة في قولهم بان اللَّه أمرهم بذلك؛ بل لم يأمرهم بذلك، ولا أنزل عليهم الكتاب أو السلطان في إباحة ذلك.
والثاني: يذكر سفههم في عبادتهم الأصنام؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام، ويسمونها: آلهة، بلا سلطان ولا حجة كانوا يطلبون على ذلك، ثم كانوا يطلبون من الرسول آيات تقهرهم وتضطرهم على رسالته وما يوعدهم، بعدما آتاهم من الآية ما أعلمهم وأنباهم أنه رسول؛ فالعبادة أعظم وأكبر للمعبود من الرسالة؛ فإذا لم تطلبوا لأنفسكم الحجة والآية القاهرة في إباحة ما تعبدون من دون اللَّه فكيف تطلبون من الرسول الآية القاهرة في إثبات الرسالة؟!
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا): كتابًا فيه عذر لهم، فهو يشهد بما كانوا به يشركون.
وقوله: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ