عند اللَّه، ولم يقل ما قال في الربا المحرم المحظور؛ حيث قال: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ): ذكر المحق وهاهنا ذكر: (فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ)، أي: لا يزداد ولا يتضاعف.
لكن لو قيل: إنها في الربا المحظور كان جائزا محتملا، ويكون قوله: (فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ) كقوله: (فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ): إنها إذا لم تربح خسرت؛ ألا ترى أنه قال: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)؛ دل أنها إذا لم تربح خسرت؛ فعلى ذلك قوله: (فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ): إذا لم يرب عنده محقه وخسروا، فهو - واللَّه أعلم - لولا صرف أهل التأويل التأويل إلى الهدايا والعطايا التي يبتغى بها الثواب في الدنيا والمكافأة فيها أكثر مما أعطوا؛ وإلا جاز صرفه إلى الربا المعروف بين الناس في العقود وكذلك روي في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الهدية يبتغى بها وجه الرسول، وقضاء الحاجة والصدقة يبتغى بها وجه اللَّه والدار الآخرة ".
ثم بين ما الذي يربو عند اللَّه، وهو ما قال.
(وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ).
ثم اختلف فيه: منهم من قال: هو ما يزكون من زكاة المال؛ يريدون به وجه اللَّه؛ فهو الذي يقبله اللَّه ويضاعف عليه.
ومنهم من قال: كل صدقة أعطاها؛ أراد وجه اللَّه، لم يرد بها الثواب في الدنيا - فهي التي تتضاعف وتزداد عند اللَّه.
(فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
وكان يجيء أن يقال: فأُولَئِكَ هم المضعفون بنصب العين؛ لأنه هو يضاعف لهم، لكن الزجاج يقول: هو كما يقال: الموسر - هو الذي له يسار، والمقوي - هو الذي له القوة ونحوه؛ فعلى ذلك: المضعف هو الذي له الضعف.
وعندنا: هم المضعفون؛ لأنهم هم الذين جعلوا الآحاد عشرات والأضعاف المضاعفة، بتصدقهم ابتغاء وجه اللَّه؛ فهم المضعفون لأنفسهم ذلك.
ثم يجوز أن يستدل بهذه الآية على إباحة هذه المعاملات التي تجري فيما بين الناس؛


الصفحة التالية
Icon