وأصله ما ذكرنا: (يُجَادِلُ فِي اللَّهِ) من الوجوه التي ذكرنا: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) من جهة العقل، (وَلَا هُدًى) أي: ولا بيان من جهة السنة، (وَلَا كِتَابٍ) من اللَّه فيه حجة له، وأسباب العلم هذه، فلم يكن له شيء مما ذكر، وباللَّه العصمة.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: المرح: النشاط، وهذا لا يكون إلا من الكبر؛ لأنه يتبختر، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)، أي: امش مشيًا رفيقًا، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي: ارفق لا تصوت صوتًا شديدًا، وهذا -أيضًا- من التبختر، (وَأَسْبغَ)، أي: أوسع، والسابغ: الواسع التام الطويل العريض.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الأصعر: مُعْرِض الوجه، وأنكر الأصوات: أقبحها، عرفه قبح رفع الصوت في المخاطبة.
وقوله: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢)
يحتمل قوله: (وَجْهَهُ)، أي: نفسه؛ كأنه قال: ومن يسلم نفسه لله، وجعلها سالمة له لم يجعل لأحد فيها شركا.
(وَهُوَ مُحْسِنٌ).
في عمله إلى نفسه، أي: لا يستعملها إلا في طاعة اللَّه، وفيما أمر به، فإذا فعل ذلك، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)، أي: فقد استمسك باوثق العرا وأثبتها؛ على ما ذكر في آية أخرى: (لَا انْفِصَامَ لَهَا)، أي: فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ولا انقطاع ولا زوال؛ لأنها ثبتت بالحجج والبراهين، لا بالهوى؛ فكل شيء ثبت بالحجة والبرهان - فهو ثابت - أبدا لا زوال له ولا انقطاع، وكل شيء ثبت بالهوى؛ فهو يزول وينقطع عن قريب؛ لزوال الهوى.
وجائز أن يكون قوله: (وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ)، أي: يسلم وجه أمره لله؛ فالوجه عبارة وكناية عن أمره، أي: يسلم أمره إلى اللَّه ويفوضه إليه.
أو يكون كناية عن نفسه؛ فتأويله ما ذكر بدءًا. وأهل التأويل يقولون: (يُسْلِمْ وَجْهَهُ)، أي: دينه لله، أي: يخلص دينه لله، كقوله: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) أي: لكل أهل دين ومذهب، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ) يحتمل وجوهًا: