كله التسرب والانحدار، وما ذكر من إجرائها بالريح الطيبة، ولو كان فِعْلَ عدد لا فعل واحد لكان يمنع عن جريها، دل أنه تدبير واحد لا عدد.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
جائز أن يكون الصبار هو المؤمن، والشكور كذلك، الصبر كناية عن الإيمان، والشكر كناية عن الإيمان؛ كقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، ذكر الصبر مكان قوله: (آمَنُوا)؛ لأنه ذكر في آية أخرى: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، والشكر كناية عن الإيمان؛ كقوله: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، وقوله: (تَشْكُرُوا)، أي: تؤمنوا.
ويحتمل: (صَبَّارٍ) على بلاياه، و (شَكُورٍ) على نعمائه.
أو جعل الآيات لمن ذكر؛ لأنه هو المنتفع بها دون غيرهم.
أو (صَبَّارٍ) فيما أصابهم في البحر من الشدائد والأهوال، و (شَكُورٍ) فيما دفع عنهم وأنجاهم من تلك الأهوال، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)
قَالَ بَعْضُهُمْ: (كَالظُّلَلِ)، أي: كالظلل: هو سواد من كثرة الماء ومعظمه.
وقيل: يصير الموج كالظلمة فوق السفينة.
وجائز أن يكون الظلل التي ذكر على التمثيل لا على التحقيق؛ كناية عن حيرتهم في الدِّين، كقوله: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)، وهو على المثال لا على التحقيق، يخبر عن حيرتهم في الدِّين وتيههم فيه؛ فعلى ذلك الأول.
ثم يذكر أهل التأويل أن الآية في أهل الكفر: كانوا يخلصون الدعاء لله والدِّين له: عندما اشتد بهم الخوف على الهلاك عند معاينتهم الأهوال والشدائد في البحار؛ لأن أهل الإسلام يخلصون له الدعاء والدِّين في الأحوال كلها فهي فيهم.
وقوله: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: (نُقئَصِد)، أي: حسن القول بلسانه كافر بقلبه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)، أي: عدل، أي: بقي على الإيمان والإخلاص


الصفحة التالية
Icon