الذي كان منه في تلك الأهوال لم يعد إلى الكفر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ): الوسط.
العدل، وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
قيل: الختار: الغدار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الختار. هو الذي بلغ في الغدر غايته ونهايته.
وقوله: (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) العلي يتوجه وجهين:
أحدهما: العلو: القهر والغلبة؛ كقوله: (إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ)، أي: غلب وقهر، وقوله: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ)؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون قوله: (الْعَلِيُّ) أي: القاهر الغالب.
والثاني: أن يكون العلو: الارتفاع؛ فإن كان الارتفاع، فهو يرتفع ويتعالى عن أن يحتمل ما يحتمل الخلق من التغير والزوال وغير ذلك مما يحتمل الخلق، ارتفع وتعالى عن احتمال ما يحتمل الخلق.
والكبير، أي: تكبر من أن يلحقه شيء مما يلحق الخلق، واللَّه أعلم.
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣) يحتمل: (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) في الجهة التي له عليكم، وأوفوا له ذلك.
أو اتقوا مخالفة ربكم ومعصيته.
أو اتقوا نقمة ربكم وعذابه.
لكنه يختلف الأمر بالاتقاء في المؤمن والكافر: يكون للكافر: اتقوا الشرك وعبادة غير اللَّه، وفي المؤمن: اتقوا مخالفة اللَّه في جميع ما يأمركم وينهاكم، واتقوا عبادة غير الله أو الشرك في حادث الوقت.
وقوله: (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا).
يذكر هذا على الإياس وقطع طمع بعضهم عن بعض؛ بالوصلة التي كانت بينهم في الدنيا، والمنافع التي كان ينفع بعضهم بعضا في الدنيا، يخبر أن ذلك كله منقطع في الآخرة؛ لهول ذلك اليوم، واشتغال كل بنفسه؛ حتى لا ينفع أحد صاحبه، وخاصة ما ذكر


الصفحة التالية
Icon