أو أن يكون ما ذكر: ألا تغتروا بالحياة الدنيا وما فيها من لذاتها، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).
قيل: الغرور: الشيطان، لا يغرنكم، ولقول: إن اللَّه كريم رحيم جواد ولا يعذبكم.
أو يقول: إن اللَّه غني قادر لا يأمركم بأمر ولا ينهاكم؛ إذ إنما يأمر وينهى في الشاهد من كان محتاجًا، فأما الغني فلا يأمر، أو نحوه، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)
ذكر في بعض الأخبار عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا اللَّه "، وعدّ هذه الخمسة التي ذكرت في هذه الآية.
وكذلك روي أبو هريرة عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خمس لا يعلمهن إلا اللَّه؛ ثم تلا، قوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) إلى آخر الآية ". فإن ثبت هذا فهو ما ذكر، ويرجع ذلك إلى معرفة حقيقة ما ذكر؛ وإلا جائز أن يقال: إنه يعلم بعض هذه الأشياء بأعلام؛ من نحو المطر أنه متى يمطر، أو ما في الأرحام: أنه ولد وأنه ذكر أو أنثى، وإن لم يعلم ماهية ما في الأرحام؛ نحو ما يعلم المنجمة بذلك بالحساب وبأعلام، يخرج ذلك على الصدق مما أخبروا ربما؛ ألا ترى أن إبراهيم - صلوات اللَّه عليه - قال: (إِنِّي سَقِيمٌ)، لما نظر في النجوم، أي: سأسقم. وروي أن أبا بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - قال: إني ألقي إليَّ أن ذا بطن بنت خارجة جارية، وكان كما ذكر؛ فلا يحتمل أبو بكر يعلم ذلك لما ألقي إليه، ورسول اللَّه لا يعلم الساعة؛ فإنه لا يطلع عليها أحد، إلا أن يقال بأن رسول اللَّه لم يؤذن له بالتكلم والقول بشيء إلا من جهة الوحي من السماء، فأما الاشتغال بمثله فلا؛ لأن الاشتغال بمثله تضييع لكثير مما امتحن، وترك لبعض ما يؤمر وينهى، أو لما يخرج ذلك مخرج التطير والتفاؤل واكتساب الرزق على غير الجهة التي جعل وأبيح لهم؛ فكان المنع لذلك، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon