بالنهار، فإذا جن عليهم الليل اضطجعوا بين المغرب والعشاء، فناموا؛ فلما نزل هذا اجتنبوا عن ذلك.
وذكر عنه: أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء؛ فنزلت الآية فيهم.
فإن كان هذا فنزول الآية لذلك يخرج مخرج المدح لهم والثناء الحسن.
وإن كان الأول فهو على النهي والتوبيخ لذلك.
ثم اختلف أهل التأويل في تأوللها: قَالَ بَعْضُهُمْ: هو التيقظ والصلاة فيما بين المغرب والعشاء الآخرة.
ومنهم من يقول: هو التجافي عن المضاجع لصلاة العشاء والفجر يصليهما.
ومنهم من يقول: تتجافى جنوبهم بذكر اللَّه: كلما استيقظوا ذكروا اللَّه: إما صلاة، وإما قياما، وإما قعودًا، لا يزالون يذكرون اللَّه.
ومنهم من يقول: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ): قيام الليل والصلاة فيه، وهذا أشبه التأويلات؛ لأنه قال: (عَنِ الْمَضَاجِعِ)، والتجافي عن المضاجع إنما يكون في الوقت الذي يضطجع فيه، وفيه يقع الامتداح والثناء الحسن؛ لأنه وقت أن غفلة والنوم فيه، وأفا سائر الأوقات فليس كذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).
يحتمل قوله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)، أي: يعبدون ربهم، ويحتمل حقيقة الدعاء.
ثم قوله: (خَوْفًا وَطَمَعًا)، قَالَ بَعْضُهُمْ: خوفًا من عذاب اللَّه، وطمعًا في رحمته.
أو أن يكون قوله: (خَوْفًا)، أي: يخافون التقصير في العبادة، (وَطَمَعًا)، أي: يطمعون إحسانه، وإحسانه في العفو والتجاوز، وهكذا عمل المؤمن من بين الخوف والطمع يخاف التقصير فيه، ويطمع إحسانه.
روى الحسن عن النبي عجم قال: " قال ربكم - عَزَّ وَجَلَّ -: وعزتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع أمنين فإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة "، ثم قرأ قوله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا...) الآية.


الصفحة التالية
Icon