ثم جائز أن يكون ذكر هذا ونزل؛ لقولٍ كان من أُولَئِكَ الكفرة الفسقة للمؤمنين: إن منزلتنا ومنزلتكم وقدرنا في الآخرة عند اللَّه - سواء؛ فنزلت الآية لذلك أنهما ليسا بسواء؛ فبيِّن منزلة المؤمن عند اللَّه وقدره، وما ذكر من الثواب له والكرامة، ومنزلة الفاسق ما ذكر من الخلود في النار أبدًا، كقوله: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ)، وكقوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ...) الآية.
أو يذكر ذلك على الابتداء: إنكم تعرفون في عقولكم أنْ ليس المؤمن المصدق في الشاهد في المنزلة والقدر عنده كالخارج عن أمره وكالمكذب له، فكيف تطمعون الاستواء عند اللَّه وأنتم الفسقة الخارجون عن أمر اللَّه، وأُولَئِكَ هم الصادقون له؟! واللَّه أعلم بذلك.
ثم الخوارج والمعتزلة يقولون: لو كان الفاسق مؤمنًا على ما تقولون لم يكن لما ذكر معنًى؛ فدل أن الفاسق لا يكون مؤمنًا؛ حيث ذكر أنهما لا يستويان وأن المؤمن مأواه في الجنة والخلود له فيها، والفاسق مقامه في النار، خالدين فيها على ما ذكر، فلو كان على ما تقولون لكانا يستويان، أو كلام نحو هذا.
فيقال لهم: إنا وأنتم نتفق أن هذا الفاسق المذكور في الآية ليس بمؤمن، وأنه لا يستوِي هو والمؤمن؛ لأنه ذكر الفسق مقابل الإيمان، دليله آخر الآية؛ حيث قال: (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ذكر التكذيب، والتكذيب هو مقابل الإيمان والتصديق، وكل فسق كان مذكورًا مقابل الإيمان فهو كفر وتكذيب؛ فهو لا يكون مؤمنًا، ولكن هاتوا فاسقًا ذكر لا مقابل الإيمان، ولكن مقابل غيره من العصيان والمساوي، ويكون له هذا الوعيد الذي ذكر في هذا؛ ألا يُرى أن السؤال المذكور مقابل الإيمان كفر، كقوله: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ)؟! فعلى ذلك الفسق المذكور مقابل الإيمان كفر لا يقع فيه استواء بحال، وأما الفسق المذكور لا مقابل الإيمان فجائز أن يقع فيهما استواء، وهو أن يغفر له ذنبه ويكفر عنه سيئته، ويدخل الجنة؛ حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، وقال في آية أخرى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا...)، وقال في آية أخرى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) الآية.
هو في مشيئة اللَّه إن شاء عذبه وإن شاء تجاوز عنه، وأصحاب الحديث يقولون: إن جميع الطاعات إيمان بهذه الآية؛ لأنه قال: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا)، ثم فسر