يقول: إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا؛ فنزل ذلك.
والحكمة فيما لم يجعل لواحد قلبين، وجعل له سمعين وبصرين؛ لأن الإدراك بالسمع والبصر إنما يكون بالمشاهدة، فيخرج ذلك مخرج معاونة بعضهم بعضًا، وما يدرك بالقلب إنما يدرك بالاجتهاد، وقد يختلف القلبان فيما يجتهدان في شيء، فيناقض أحدهما صاحبه؛ إذ يجوز أن يرى أحدهما خلاف ما يراه الآخر، وأما السمعان والبصران لا يكون كذلك.
وقوله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ): جائز أن يكون سبب ذلك ما ذكر من ادعاء مسيلمة الكذاب الرسالة لنفسه وتواطؤ أصحابه على ذلك، يقول - واللَّه أعلم -: ما جعل اللَّه أن يرسل رجلين رسولا إلى خلقه مختلفي الدِّينين متضادي الشرائع، يدعو كل واحد إلى دين غير الآخر، وإلى شريعة يضاد بعضها بعضًا: محمدا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ومسيلمة الكذاب.
وقوله: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ): يحتمل هذا وجهين: أحدهما: على النهي الذي ذكرنا، أي: لا تشبهوا أزواجكم بظهور الأمهات، ولا تحرموهن على أنفسكم كحرمة الأمهات؛ ولذلك قال: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا).
والثاني: أن لم يجعل اللَّه لكم أزواجكم حرامًا أبدًا كالأمهات، وإن جعلتم أنتم؛ ولكن جعلهن لكم بحيث تصلون إليهن بالاستمتاع على ما تصلون إليهن وتستمتعون بهن، بعد هذا القول؛ يذكر هذا على المنة والنعمة؛ ليتأدى به شكره؛ لما أبقى لهم الاستمتاع بهن بعد هذا، ولم يجعلهن لهم كالأمهات، على ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ)، أي: ما جعل أدعياءكم أبناءكم في الحقوق إلى الآباء، وهو ما ذكر في بعض القصة: أنه إذا ادعى الرجل منهم ورثة منهم مع أولاده - وهو شيء كانوا يفعلونه في الجاهلية - دعي إليه ونسب، يقول - واللَّه أعلم -: ما جعل ما كنتم تدعون الأبناء في الجاهلية للعون والنصرة أبناءكم في الإسلام فيما جعلوا.
والثاني: ما جعل أدعياكم أبناءكم في حق النسبة، كما ذكر أنهم كانوا يقولون لزيد بن حارثة: زيد بن مُحَمَّد.
(ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ):


الصفحة التالية
Icon