وقيل: هي الطوال.
فكأنه أمر أن يتخذ من الدروع ما يأخذ من الرأس إلى القدم ما يصلح لحرب العدو.
وقوله: (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: كانت الدروع قبل ذلك صفائح مضروبة، فسرد نبي اللَّه حلقها بعضها في بعض، والسرد: المسامير والحلق، يقول: قدر المسامير في الحلق: لا بدق المسامير وتوسع الحلق؛ فتسلسل، ولا تضيق الحلق وتعظم المسامير فتقصم وتكسر؛ ولكن مستويًا لتكون أحكم.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)، أي: في النسج، أي: لا تجعل المسامير دقاقًا؛ فتقلق، ولا غلاظًا؛ فتكسر الحلق؛ ومنه قيل لصانع الدروع: سراد، وزرَّاد؛ كما يقال: صراط وسراط وزراط. والسرد: الحرز أيضًا، وقال غيره: السرد: الخروق في طبق الحلق، وإدخال الحلق بعضها في بعض.
وقوله: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا).
جائز أن يكون قوله: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا)، فيما ذكر من عمل الدروع، ويحتمل في غيره من الأعمال، (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، هو على الوعيد، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) كأنه يقول: سخرنا لسليمان الريح؛
كما ذكرنا في آية أخرى: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ). وقوله: (غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ)، أي: تجري به الريح في غدوها مسيرة شهر، وفي رواحها مسيرة شهر، وذلك آية له، فمثلها من الآية كان لرسول اللَّه، حيث أسري في ليلة واحدة مسيرة شهرين من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وما كان لسليمان من الملك بالأعوان من الجن والإنس كان لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بنفسه؛ حيث قال: " نصرت بالرعب مسيرة شهرين "، فإن لم يكن أعظم مما كان لسليمان فلا يكون دونه.
وما كان لأبيه داود من إلانة الحديد له بلا سبب وما ذكر - كان لمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - انشقاق القمر له، وذلك أعظم في الآية مما ذكر.