أعلم.
وقوله: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ).
في حرف ابن مسعود: (فلما قضينا عليه الموت، وهم يدأبون له حولا ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الإنس على أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)؛ لأنهم كانوا يذعون علم الغيب فابتلوا بذلك.
ودل قوله: (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) على أنهم كانوا لا يدنون منه لأحد وجهين:
إما لهيبته وسلطانه على الناس؛ فإن كان ذلك أطاع له كل شيء وخضعوا له: من الجن والطير والوحش وغير ذلك.
أو لما كان يكثر العبادة لله والخضوع له يتوحد ويتفرد بنفسه، لم يجترئوا أن يدنوا منه؛ وإلا لو دنوا منه لرأوا فيه آثار الموتى، اللهم إلا أن يكون ما ذكر بعضهم أنه قال لأهله: لا تخبروا أحدًا بموتي، وأمرهم أن يكتموا موته، واللَّه أعلم.
وقوله: (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ)، قيل: المنسأة: العصا، سمي: منسأة من المنسأ؛ لأنه كان بها يؤخر ما أراد تأخيره، وبها يدفع ما أراد دفعه.
ثم في إمساكه العصا أحد وجهين:
لما لضعفة في نفسه؛ كان يتقوى بها في أمور ربه، أو يمسكها؛ لخضوعه لربه وطاعته له.
وفيه دلالة: أن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا لا يشغلهم الملك وفضل الدنيا، ولا الحاجة ولا الفقر عن القيام بأمر اللَّه وتبليغ الرسالة إلى الناس، وهما شاغلان لغيرهم، وهم كانوا فريقين:
فريق قد وسع عليهم الدنيا نحو سليمان وإبراهيم وغيرهما، وفريق قد اشتدت بهم الحاجة والفقر، وكلاهما مانعان شاغلان عن القيام بأمور اللَّه وتبليغ الرسالة؛ ليعلم أنهم لم يأخذوا من الدنيا ما أخذوا - للدنيا. ولكن أخذوا للخلق، ولله قاموا فيما قاموا لذلك، لم يشغلهم ذلك عن القيام بما ذكرنا، واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon