والمعاملة: أن يرصبر على ذلك، ويشكر له في نعمه.
وقوله: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)
اختلف في ظنه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ظن بهم ظنا، فوافق ظنه فيهم حين قال: (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)، من عصمت مني، وما قال: (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ...)، إلى آخر ما ذكر، فقد صدق ما ظن فيهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)، وذلك أن إبليس خلق من نار السموم، وخلق آدم من طين، ثم قال إبليس: إن النار ستغلب الطين؛ فمن ثمة صدق ظنه؛ فقال: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
يقول اللَّه: (فَاتَّبَعُوهُ).
ثم استثني عباده المخلصين فقال: (إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
يعني: عباده المخلصين؛ فإنهم لم يتبعوه، الذين قال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ).
وقال قائلون: (مِن) هاهنا صلة؛ كأنه قال: (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، الذين هم مؤمنون، فرب الحقيقة، فأمّا من كان عندكم من المؤمنين في الظاهر فقد اتبعوه؛ لأنه لا كل مؤمن عندنا هو في الحقيقة مؤمن.
أو أن يكون قوله: (فَاتَّبَعُوهُ) فيما دعاهم إليه، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قال الحسن: واللَّه ما ضربهم بالسيف، ولا طعنهم بالرمح، ولا أكرههم، على شيء، وما كان منه إلا الغرور أو أماني ووسوسة دعاهم إليها؛ فأجابوه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ)، أي: حجة، ليس له حجة عليهم، أي: لم يمكن من الحجة؛ ولكن إنما مكن لهم الوساوس والتمويهات، ثم جعل


الصفحة التالية
Icon