وقد عرفتم أنا بشر مثلكم فأطعتمونا وتركتم طاعة الرسل؛ لأنهم بشر؛ فأجاب لهم الأتباع فقالوا: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ... (٣٣) بل بمكركم إيانا، وقولكم في الليل والنهار: إنهم كذبة سحرة، وخداعكم إيانا، وإنهم بشر مثلكم؛ تركنا اتباعهم؛ (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا).
أو يقولون: بل مكركم في الليل والنهار (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ)، أي: من تخويفكم إيانا وتهييبكم لنا من الأخذ على البغتة والغفلة - تركنا اتباعهم في السر إذا ظهر وبلغكم الخبر به.
هذه مناظرات أهل الكفر فيما بينهم يومئذ، ورد بعضهم على بعض، ولعن بعضهم على بعض؛ يذكرها في الدنيا، ليلزمهم الحجة، وألا يقولوا يومئذ: (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
فَإِنْ قِيلَ: إنهم كانوا لا يؤمنون بهذا القرآن ولا بالبعث؛ فكيف يلزمهم ذلك، وهم لا يستمعون له؟!.
قيل: إنهم قد مكنوا من الاستمتاع والنظر فيه؛ فيلزمهم الحجة، وإن لم يستمعوا له، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: أسروا الرؤساء الندامة؛ بصرف الأتباع وصرف أنفسهم عن دين الله واتباع الرسل لما رأوا العذاب.
وقيل: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ): الأتباع والرؤساء جميعًا.
وقوله: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: من الإسرار والإخفاء، أخفى بعضهم من بعض.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أخفى الكفرة الندامة عن المؤمنين.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ)، أي: أظهروا، وهو من الأضداد، يقال: أسررت الشيء: أخفيته وأظهرته.
وأما غيره من أهل التأويل فإنهم قالوا: هو من الإخفاء.
وقوله: (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
الأغلال: جماعة الغل: وهو ما يجعل في اليد، ثم يشد اليد إلى العنق.