قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (فَهُوَ يُخْلِفُهُ): في الدنيا والآخرة؛ لأن ما أنفق العبد لو كان اللَّه أخلفه له في الدنيا ما أحصى أحدكم ماله، ولا يجد مكانًا يجعله فيه، أو كلام هذا معناه.
وقال آخر: كل نفقة كانت في طاعة اللَّه فإن اللَّه يخلفها في الدنيا، أو يدخرها لوليه في الآخرة.
ومجاهد يقول: إذا أصاب أحدكم مالا، فليقصد في النفقة، ولا يتأولنّ قوله: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ)؛ فإن الرزق مقسوم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) إذا كانت في غير إسراف ولا تقتير.
وهذه التأويلات كلها ضعيفة؛ لأن الآية كانت - واللَّه أعلم - في منع أُولَئِكَ الإنفاق؛ مخافة الفقر وخشية الإملاق؛ لأنها نزلت على أثر قول الرجل: (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)، يقول - واللَّه أعلم - تعلمون أن اللَّه هو الباسط لكم والموسع عليكم وعلى الخلق كله الرزق، وهو المقتر أيضًا على من شاء التقتير عليه، فإذا كنتم تعلمون أنه هو الفاعل لذلك؛ فكيف تمتنعون عن الإنفاق خشية الفقر؟! فهو القادر على البسط والخلف لما أنفقتم، وهو القادر على التقتير من غير إنفاق كان منكم.
أو أن يذكر هذا؛ ليقطعوا أطماعهم عن الخلق من الناس والبذل لهم، على ما ينفق الرجل من النفتة؛ فيطمع من الناس البر له والمكافأة لما أنفق؛ فيقول: اقطعوا الطمع من الناس فيما تنفقون؛ فإن اللَّه هو المخلف لذلك لا الناس.
ويحتمل ما قال ابن عَبَّاسٍ: إنه يخلف في الآخرة؛ إذ لو أعطى لكل رجل أنفق في الدنيا خلفًا - ما أحصى أحدكم ماله، ولا أين يجعله؟ يكون هذا هكذا إذا كان الخلف من نوع ما أنفق وأعطى، فأمَّا إذا جاز أن يكون الخلف من نوع ما أنفق، ومن غير نوعه: من نحو ما يدفع عن المرء وعن المتصلين له من أنواع البلايا والشدائد، ويعطيه من أنواع النعم من السلامة له في نفسه ودينه والصحة وغير ذلك مما لا يحصى، فذلك كله بدل وخلف عما أنفق، وذلك أنه إذا علم في سابق علمه أنه ينفق جعل ذلك في الأصل خلفًا عما أنفق؛ وعلى ذلك يخرج ما روي: " أن صلة الرحم تزيد في العمر ": إذا علم أنه


الصفحة التالية
Icon