الآخرة: أنهم لم يكونوا على ما كانوا، ولا تكون آية أعظم مما عاينوا من أنواع العذاب، ثم لم يمنعهم ذلك عن التكذيب، ولا اضطرهم على الإقرار والتصديق؛ دل أن الآية وإن كانت عظيمة لا تضطر أهلها على الإيمان والتصديق، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم ما يغنينا عن ذكرها في هذا الموضع.
وقوله: (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) أي: مالت وخضعت لها أعناقهم، والأعناق كأنها كناية عن أنفسهم.
وعن ابن عَبَّاسٍ قال: (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) قال: سيكون لنا دولة على بني أمية، فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة وهوانا بعد عزة، فقد كان ذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأعناق: السادة والقادة، والواحد عنق، أي: إذا أسلم القادة أسلم الأتباع اتباعًا لهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) قَالَ بَعْضُهُمْ: يقول: كلما نزل شيء بعد شيء من الموعظة والذكر فهو محدث من الأزل.
وجائز أن يكون قوله: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) مما به فيه ذكرهم في الآخرين وشرفهم في الخلق إلا كانوا عنه معرضين؛ لأنهم لو آمنوا لذكروا في الناس، وبقي لهم ذكر وشرف كذكر الأنبياء والرسل فيهم إلى آخر الدهر.
وقوله: (مُحْدَثٍ) هو محدث على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما.
قَالَ الْقُتَبِيُّ وأَبُو عَوْسَجَةَ: (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ) كما تقول: ظللت اليوم، قالا: والأعناق: السادة والواحد منه: عنق.
وقوله: (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٦) هي ظاهرة؛ قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.
وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: قد رأوا ما أنبتنا وأخرجنا منها. والثاني: على الأمر، أي: رأوا ما أنبتنا في الأرض، وأخرجنا منها.
(مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ): قال الحسن: الكريم: الحسن البهيج. وقوله: (مِنْ كُلِّ