(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ)، وهو من الإعراض.
وفي قوله: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) وجهان من الاستدلال على المعتزلة لقوله: (فَأَغْشَيْنَاهُمْ) أضاف إلى نفسه وإن كان منهم صنع، ويجوز أن يستدل بخلق أفعالهم منهم.
وقوله: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
ومن لم يتبع، (وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ): ومن لم يخش.
أو إنما ينتفع بالذكر من أتبع الذكر وخشي الرحمن، فأما من لم يتبع الذكر ولم يخش الرحمن فلا ينتفع.
أو أن يكون فيه إخبار بإنذاره من اتبع الذكر، وليس فيه نفي عن إنذار من لم يتبع الذكر ولا تخصيص منه بالإنذار أحد الفريقين دون الآخر، واللَّه أعلم.
والذكر يحتمل القرآن، ويحتمل غيره من الذكرى؛ كقوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
وقوله: (وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ).
بالغيب: بالآثار والأخبار التي انتهت إليهم من غير مشاهدة وقعت لهم، أو بالغيب بما رأوه من آثار سلطانه وقدرته هابوه وخشوا عذابه ونقمته، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ).
يحتمل البشارة بالمغفرة عما سلف من الذنوب والإجرام إذا رجعوا عنها، أو عن تقصير كان منهم في الفعل في خلال ذلك، وإن اعتقدوا في الجملة ألا يخالفوا ربهم قي فعل ولا في قول؛ إذ كل مؤمن يعتقد في أصل إيمانه ترك مخالفة الرب في كل الأحوال، وإن تخلل في بعض أحواله تقصيرًا ومخالفة الرب بغلبة شهوة أو طمع في عفوه ورحمته.
(وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) قيل: حسن، ويحتمل تسميته: كريمًا؛ لما يكرم كل من نال ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (١٢)
كأنه - واللَّه أعلم - يذكر هذا ليس في موضع الاحتجاج عليهم، ولكن على الإخبار أنه هو محييهم إذا ماتوا.
وقوله: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ).
قال عامة أهل التأويل: نكتب ما قدموا وآثارهم وما أسلفوا في حياتهم وعملوه،