قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
وقوله: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)
يحتمل الأمر لرسوله بضرب مثل أصحاب القرية لقومه وجهين:
أحدهما: أن الخبر قد كان بلغ هَؤُلَاءِ، أعني: خبر أصحاب القرية التي بعث إليهم الرسل، وما نزل بهم بتكذيبهم الرسل وسوء معاملتهم إياهم، إلا أنهم قد نسوا ذلك وغفلوا عنه، فأمرهم بالتذكير لهم والتبيين؛ ليحذروا عن مثل صنيعهم وسوء معاملتهم رسولهم.
والثاني: يحتمل أن لم يكن بلغهم خبر أُولَئِكَ وما نزل بهم بسوء معاملتهم الرسول، فأمره أن يعلم قومه ذلك ويبين لهم، فيسألون عن ذلك أهل الكتاب، فيخبرونهم بما كان في كتبهم؛ فيعرفون صدق رسول اللَّه فيما يخبرهم، فيكونون على حذر عن مثل صنيعهم ومعاملتهم الرسل؛ وعلى ذلك تخرج هذه الأنباء والقصص المذكورة في الكتاب على هذين الوجهين، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) أي: قوينا بثالث، اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن عيسى ابن مريم كان بعث إليهم أولا رسولا فأتاهم، فدعاهم إلى التوحيد، وأقام على ذلك حججًا وبراهين، فكذبوه وقالوا: ما نعرف ما تقول، ثم بعث من بعده رسولين فقال لهما ذلك الرسول: إنهم سيكذبونكما كما كذبوني قبلكما وسيقولون لكما إذا دعوتماهم إلى التوحيد: ماذا تحسنان؛ فإذا قلتما: نبرئ الأكمه والأبرص، قالوا: فينا من يحسن ذلك، فإن قلتما: نشفي المريض، قالوا: فينا من يحسن ذلك ونحوه، ولكن قولا أنتما: نحيي الموتى، وأنا أقول لهم: إني لا أحسن أنا؛ فهو قوله: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) أي: قوينا وشددنا بثالث، ففعلوا ذلك فقالوا عند ذلك: قد تواشيتم علينا بهذا الكلام، أو تواطأتم، أو كلام نحوه، فأخذوا وعذبوا وأهلكوا؛ وهو قول ابن عباس، رضي، اللَّه عنه.
ومنهم من يقول: بعث أولا رسولان فكذبوهما، فبعث ثالث بعد ذلك (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)، أي: عززنا الرسولين بثالث، أي: قويناهما.