قَالَ بَعْضُهُمْ: أي أوجبت له الجنة وما ذكر للشهداء وأُري الثواب؛ فقال عند ذلك: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي...) الآية.
ويحتمل دخول الجنة ما ذكر للشهداء: (بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ) الآية.
أو أن يكون قوله: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) وأن يقال له في الآخرة كقوله لعيسى ابن مريم: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي)، وإنما هو أن يقال له يومئذ؛ فعلى ذلك يحتمل الأول.
وقوله: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
قيل: إنه نصحهم حيًّا وميتًا، ولم يترك نصحهم لمكان ما عملوا وفعلوا به من السوء وأنواع التعذيب، ولكن تمنى أن ليت قومي أن يكونوا يعلمون ما أعطي هو بالإيمان بربه والتصديق برسله؛ ليعطوا مثل ما أعطي هو، وهكذا الواجب على كل مؤمن ألا يترك النصيحة لجملة المؤمنين، وإنْ لحقه منهم أذى أو سوء.
وقال قتادة: ولا يلقى المؤمن إلا ناصحًا، ولا يلقى غاشًّا؛ لما عاين ما عاين من كرامة اللَّه، قال: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) تمني واللَّه أن يعلم قومه ذلك؛ ليعلموا أن أهل الإيمان ليسوا بأهل غش ولا نذالة لعباده.
وقال: قيل لروحه: ادخل الجنة، فتمنى روحه أن يعلموا إلى ما صار هو، ليؤمنوا بالرسل ولا يكذبهم.
وقوله: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)
أي: من بعد قتل ذلك الرجل (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ): من الملائكة، أي: لم ننزل على قومه في هلاكهم بعد صنيعهم بمكانه وإهلاكهم إياه - جندا من السماء، ولكن أهلكوا بصيحة واحدة، أي: لم نفعل بهم كما يفعل ملوك الأرض إذا قتل رسلهم وأهلك أولياؤهم، يبعثون بجنود في استئصال من فعل ذلك بهم، ولكن أهلكهم بصيحة واحدة.
ثم يحتمل قوله: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً... (٢٩) أي: قدر صيحة واحدة، أي: أهلكوا بقدر صيحة واحدة في سرعتها.
ويحتمل الإهلاك بالصيحة، أي: أهلكوا بالصيحة، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ).
قيل: موتى مثل النار إذا خمدت وطفئت، لا يسمع لها صوت.


الصفحة التالية
Icon