يحتمل على حقيقة الصيحة، يجعل اللَّه تعالى الصيحة علمًا للإحياء والبعث لا أن تكون الصيحة سببًا للإحياء والبعث.
ويحتمل لا على حقيقة الصيحة ولكن على قدر الصيحة؛ كأنه يقول - واللَّه أعلم -: ما كانت إلا قدر صيحة واحدة - أي: البعث - لكنه ذكر الصيحة؛ لأن الصيحة أسرع شيء وأيسر على الخلق من غيره على ما ذكرنا في النفخ في الصور؛ كقوله: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ)، ذكر هذا؛ لأنه أخف شيء على الخلق، وأهونه عليهم؛ فيعبر به عنه ويكني بما ذكر، ليعلموا خفة ذلك على اللَّه، وسهولته وهوانه، وأنه ليس يثقل عليه شيء.
وقوله: (فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ).
ذكر أن قوله - تعالى -: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً) في البعث، فإذا كان ذلك في البعث فعند ذلك إحضارهم عند اللَّه، وأما الأول فإنما هو في الهلاك والموت.
وقوله: (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)
الظلم في اللغة: هو وضع الشيء في غير موضعه كأنه يقول - واللَّه أعلم -: اليوم لا توضع نفس في غير موضعها، ولكن توضع على ما وضعها في الدنيا.
أو يكون الظلم عبارة عن النقصان، كأنه يقول - واللَّه أعلم -: فاليوم لا تنقص نفس عما استوجبت وتوفى؛ كقوله: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) أي: لم تنقص منه.
أو يقول: فاليوم لا يُحمل على نفس ذنب غيرها، ولا يوضع وزر غيرها، بل يَجْزي اللَّه كل نفس جزاء عملها، واللَّه أعلم.
وقوله: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (٥٥)
يخبر - واللَّه أعلم -: عن شغل أهل الجنة أنهم وإن كانوا مشغولين في أن نعيم فإن ذلك الشغل يحجبهم عن غيرهم من الأشياء، وكذلك جميع الخلائق أنهم إذا شغلوا في شيء حجبوا عن غيره ومنعوا، فأما اللَّه - سبحانه - فيتعالى عن أن يشغله شيء أو يحجبه شيء عن شيء.
ثم الاشتغال في الدنيا مما يضر أهلها ويؤذي، فأخبر أن شغل أهل الجنة مما لا يضرهم ولا يؤذي؛ حيث قال: (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ)، قيل: ناعمون بما هم فيه، وقيل: معجبون في ذلك.


الصفحة التالية
Icon