بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ)، وقال في تلك الآية: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، أي: أسمع ما يقولون لكما، وأرى ما يفعلون بكم، فأمنعهم عنكما؛ لأنهما ذكرا الخوف منه من شيئين: من الفعل والقول حيث قالا: (إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا): بالفعل، (أَوْ أَنْ يَطْغَى) باللسان.
وقوله تعالى: (فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٧)
قوله: (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ليس على حقيقة الإرسال معه، ولكن على ترك استعبادهم؛ كقوله: (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ) أي: خل بينهم وبين استخدامك إياهم واستعبادك، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥)
ثم قال له فرعون: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ): يذكر نعمته التي أنعمها عايه بتربيته إياه صغيرًا، وكونه فيهم دهرا، وكفران موسى لما أنعم عليه وهو ما قال: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (١٩) وهو قتل ذلك القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، فأقرَّ له موسى بذلك، فأخبر أنه فعل ذلك حيث قال: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)
وقوله: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي: فعلت ذلك وأنا كنت من الجاهلين، لا يعلم أن وكزته تلك تقتله، وإلا لو علم ما وكزه؛ لأنه لم يكن يحل له قتله حيث قال: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)؛ دل ذلك منه أنه كان لم يحل قتله إلا أنه جرى