كالدنيا.
وقال أبو معاذ: (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) أي: ما يشتهون ويتمنون في الجنة، واللَّه أعلم.
وقوله: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: يردون إليهم - أعني: الملائكة - سلام اللَّه بحق التبليغ إليهم سلام اللَّه نحو ما يبلغ بعضهم بعضًا سلام بعض: أقرئ فلانًا مني السلام؛ فعلى ذلك يقولون: إن اللَّه قد أقرأ عليكم السلام.
والثاني: أن يسلم عليهم الملائكة بأمر ربهم، يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم.
والثالث: أن يكون القول من اللَّه وعدا بالسلامة لهم فيها من كل آفة وبلاء يكون شي الدنيا؛ كقوله: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، ونحوه.
وفي حرف أبيّ وابن مسعود: (سلامًا قولًا) بالنصب، فهو - واللَّه أعلم - كأنهما يجعلان تمام الكلام في قوله: (يَدَّعُونَ) ثم يقطع (سلامًا قولا) منه، وأمَّا قراءة هَؤُلَاءِ برفع السلام، فمعناها - واللَّه أعلم -: ولهم ما يدعون سلامًا، ثم الكلام قطع (قَولًا) منه.
* * *
قوله تعالى: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (٦٧)
وقوله: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ).
كأن أهل الجنة وأهل النار يكونون مختلطين، فيفرق هَؤُلَاءِ؛ لأنهم يكونون في الابتداء مجموعين، وكذلك سمي: يوم الجمع، ويوم الحشر، ثم يفرق بينهم؛ كقوله: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، وسمي: يوم الفصل.
وأصل قوله: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ) ليس على الأمر في الحقيقة: أن افترقوا، ولكن على حقيقة التفريق على ما ذكر في آية أخرى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وأصل الامتياز: الافتراق والاعتزال؛ وبه يقول أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: إن الامتياز هو التفرق والتنحي.
وقوله: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)


الصفحة التالية
Icon