عليهم القيام به وما ليس، و (مُبِينٌ) لمشركي العرب أنه رسول وأن هذا القرآن من عنده جاء به، وكل كتب اللَّه ذكر ومبين ورحمة ونور وشفاء على ما أخبر، واللَّه أعلم.
وقوله: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: من كان عاقلا، يقول: لينذر القرآن من له عقل حن فيؤمن، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) أي: السخطة على الكافرين في علم اللَّه أنهم لا يؤمنون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا)، أي: مؤمنًا؛ لأن اللَّه - تبارك وتعالى - سمى المؤمن: حيا في غير آية، والكافر ميتًا.
ويحتمل قوله: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) أي: لتقع النذارة وتنفع من كان حيّا، أي: مؤمنًا على ما ذكرنا، وإن كان ينذر الفريقين جميعًا؛ كقوله: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)، هو ينذر من اتبع الذكر، ومن لم يتبع الذكر، لكن النذارة إنما تقع وتنفع لمن اتبع الذكر وخشي الرحمن خاصة؛ وكقوله: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)، هو يذكر لهم جميعًا لكن المنفعة للمؤمنين فعلى ذلك الأول.
ويحتمل قوله: (مَنْ كَانَ) أي: من يطلب بحياته الفانية الحياة الدائمة، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) القول الذي قال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١)
قد ذكرنا فيما تقدم في غير موضع: أن قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا) و (أَلَمْ تَرَ)، ونحوه أنه في الظاهر حرف استفهام، لكنه من اللَّه على الإيجاب والإلزام؛ ثم هو يخرج على وجهين:
أحدهما: على الخبر أن قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام وما ذكر.
والثاني: على الأمر على الرؤية والنظر فيما ذكر، أي: فليروا.
فإن كان على الخبر أنهم قد رأوا ما خلق لهم من الأنعام، فهلا تفكروا واعتبروا فيما خلق لهم من الأنعام وغيرها: أنه لم يخلق لهم ذلك عبثًا باطلا ولكن لحكمة، ولو لم يكن بعث على ما يقولون هم كان خلق ذلك عبثًا باطلا؟!
أو أن يقول: إن من قدر على تصوير ما ذكر من الأنعام وغيره في الأرحام وتركيب ما ركب فيها من الأعضاء والجوارح في الظلمات، لا يحتمل أن يخفى عليه شيء أو يعجزه، أو يفعل ذلك على التدبير الذي فعل بلا حكمة.