أو يذكر أنه خلق لهم من الأنعام وذللها لهم وجعل لهم فيها من المنافع ما ذكرنا بلا شكر يلزمهم، يتأدى على ذلك شكر ما أنعم عليهم على جهة ما لو كان على الأمر بالرؤية فيما خلق والنظر، واللَّه أعلم.
وقوله: (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا).
يحتمل ما عملت أيدي الخلق من الزراعة والغرس وغير ذلك مما يعمله الخلق، نسب ذلك إلى نفسه.
ويحتمل (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا)، أي: قوتنا؛ كقوله: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)، وقوله: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)، أي: بقوة ونحوه، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: قادرون على الانتفاع بها والاستعمال لها، يقول الرجل فيما له فيه حقيقة الملك: أنا غير مالك عليه إذا كان غير قادر على الانتفاع به، ولا مالك على استعماله.
وقيل: (مَالِكُونَ)، أي: ضابطون قادرون على إمساكها، يقال: فلان غير ضابط على إبله ودابته وهما واحد، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ (٧٣)
يخبر عن أنواع ما جعل لهم من الأنعام وأنعم عليهم؛ ليتأدى بذلك شكره، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ... (٧٥)
يخبر عن سفههم وقلة بصرهم وفهمهم؛ لاتخاذهم الأصنام آلهة وعبادتهم إياها؛ رجاء النصر لهم، وتركهم عبادة اللَّه على وجود المعونة والنصر منه، وجعله كل شيء لهم، ثم يكون رجاؤهم بذلك ما قالوا: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عَندَ اللَّهِ)، و (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَى)، وذلك في الآخرة.
ويحتمل رجاء النصر لهم بعبادتهم الأصنام في الدنيا في دفع ما ينزل بهم من البلايا والشدائد؛ كقوله: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ).
ثم أخبر أن الأصنام إلتي يعبدونها وما رجوا منها لا يستطيعون نصرهم وما رجوا من شفاعتهم والنصر لهم، وأخبر أن ما عبدوا دونه يصير أعداء لهم.
قال: (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ).
في الآخرة؛ كقوله: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)؛ هذا على تأويل بعضهم من أهل التأويل يجعل الأصنام جندًا عليهم وأعداء لهم على ما ذكرنا.