ويحتمل قوله: (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ)، أي: المشركون جند للآلهة التي يعبدونها، أي: هم يقيضون لها ويقومون في دفع من هم بها فسادًا وإهلاكًا - أعني: أصنامهم التي كانوا يعبدونها - كقوله: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ).
ثم اخنلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك في الآخرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك في الدنيا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦)
كان من أُولَئِكَ الكفرة لرسول اللَّه أقوال مختلفة:
مرة كان منهم ما ذكر: (وَإِذ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ...) الآية.
ومرة قالوا: إنه ساحر، وإنه كذاب، وإنه شاعر.
ومرة قالوا: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً).
ومرة قالوا: (لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا).
ومرة طعنوا فيه وفيما أقام من الحجج، ولا ندري أي قول كان منهم له فيحزن عليه حتى قال له: (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)، أي: لا تحزن على قولهم؛ فإنا نعلم ما يسرون وما يعلنون؛ قنحفظ عليهم ذلك ونكافئهم على ذلك.
أو نعلم ما يسرون وما يعلنون فننصرك عليهم ونعينك.
أو أن يكون حزنه عليهم؛ إشفاقًا عليهم؛ لما كان يعلم نزول العذاب بهم والهلاك لعنادهم ومكابرتهم، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)
وقوله: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ).
هذا يخرج على الوجهين: إن كان على الأمر بالرؤية والنظر أي: فلير الإنسان ولينظر أن من قدر على خلق الإنسان مبتدأ من نطفة لقادر على إعادته؛ لأن إعادة الشيء في الشاهد أهون وأيسر من ابتدائه؛ إذ قد يحتذى ويصور بعد ما وقع البصر على الشيء ويرى ولا سبيل إلى احتذاء ما لم يروا، ولا تصوير ما لم يعاينوا، احتج اللَّه عليهم بالشيء الظاهر الذي يعلم كل أنه كذلك من غير تفكر ولا تأمل، وإلا الاحتجاج عليهم بالأشياء


الصفحة التالية
Icon