أو أن يقول: إنكم عرفتم أنه إنما أنشاكم من تلك النفس التي أنشأها من تراب أو طين على اتفاق منكم، فإذا متم وفنيتم صرتم ترابًا أو طينًا، فكيف أنكرتم إعادته إياكم من تراب أو طين، وقد أقررتم أن أصلكم تراب أو طين - واللَّه أعلم - على الوجوه التي ذكرنا يجوز أن يخرج.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢)
بالنصب يحتمل وجوهًا:
أحدها: عجبتَ منهم إنكارهم ما أنكروا بعد كثرة قيام الآيات والحجج عليهم في ذلك وهم ينكرون ويسخرون.
أو يقول: عجبت ويسخرون؛ لما أنك بزعمهم لعظيم ما ينزل بهم من العذاب والشدائد وما يستقبلهم من الأمور المهمة وهم يسخرون، واللَّه أعلم.
أو يقول: بل عجبت لما تدعوهم أنت إلى ما به نجاتهم وفلاحهم وهم يسخرون، ونخو ذلك يحتمل، واللَّه أعلم بما كان يعببه.
وفي بعض الحروف: (بل عجبتُ) بالرفع، وكذلك ذكر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤه بالرفع: (بل عجبتُ) فإن ثبت ذلك وصح إضافة العجب إلى الله فهو في الشاهد وإن كان لظهور عظيم مما قالوا خفيا عليهم مستترًا، عند ذلك يقع لهم العجبُ فهو في اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وإن كان لا يحتمل أن يخفى عليه شيء، فذلك لعظيم ما كان منهم من الإنكار من قدرته على الإنشاء والجحود في ذلك؛ فيكون ما ذكر من حرف العجب منه كناية عن الإنكار والدفع لقولهم، وذلك كما أضاف الامتحان إلى نفسه وإن كان في الشاهد لا يستعمل إلا في استظهار ما خفي عليهم واستتر منهم، فهو من الله يخرج على الأمر والنهي - أعني الامتحان - وإن كان في الشاهد بين الخلق لا يكون إلا لما ذكرنا، فعدى ذلك جائز إضافة العجب إلى اللَّه على إرادة الإنكار منه عليهم والدفع لقولهم، واللَّه أعلم.
ومن الناس من أنكر هذه القراءة وقال: لا يجوز إضافة التعجب إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لما هو لم يزل عالمًا بما كان ويكون، وهو في الشاهد إنما يكون لظهور عظيم من الأمر قد جهلوه، لكن هذا وإن كان في الخلق ما ذكر فهو من اللَّه على غير ذلك، على ما ذكرنا من إضافة الامتحان إليه والابتلاء وإن كان بين الخلق لما ذكرنا، وقد ظهرت إضافته إليه بقوله: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) وهو يخرج على الإنكار عليهم والرد على تعظيم إنكار ما قالوا وأنكروا، واللَّه أعلم.
ومن أن ناس من قال في قوله عَزَّ وَجَلَّ: (بَلْ عَجِبْتَ) فيما أضافه إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: