يتخذوا آلهة وهو قريب من الأول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧)
يقول - واللَّه أعلم -: فما ظنكم برب العالمين أن يفعل بكم إذا اتخذتم دونه آلهة، وصرفتم العبادة والشكر عنه إلى من دونه، وقد تعلمون أنه هو المنعم عليكم هذه النعم، وهو أسدى إليكم هذا الإحسان وهو تعالى أداها إليكم.
أو يقول: فما ظنكم برب العالمين أنه يرحمكم ويفعل بكم خيرًا في الآخرة بعد تسميتكم الأصنام: آلهة، وعبادتكم إياها دون اللَّه، بعد علمكم: أنه هو خالقكم، وهو سخر لكم جميع ما في الدنيا وهو أنشأها لكم، فما تظنون به أن يفعل بكم: أن يرحمكم ويسوق إليكم خيرًا؟! أي: لا تظنوا به ذلك، ولكن ظنوا جزاء صنيعكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)
أي: سأسقم، وذلك جائز في اللغة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) للحال؛ فعلى ذلك قول إبراهيم - عليه السلام -: (إِنِّي سَقِيمٌ) أي: سأسقم.
أو يقول: (إِنِّي سَقِيمٌ) وهو صادق؛ إذ ليس من الخلق أحد إلا وبه سقم ومرض وإن قل، فعلى ذلك قول إبراهيم، عليه السلام.
وقول من قال: إن إبراهيم - عليه السلام - كذب ثلاثًا: أحدها: هذا (إِنِّي سَقِيمٌ) فذلك [وخش من القول سمج]، لا جائز أن ينسب الكذب إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وهو من أنبيائه لا يقع قط في وجه من الوجوه، ويذكر أهل التأويل أن قومه أرادوا أن يخرجوا بإبراهيم إلى عيدهم، فنظر إبراهيم نظرة في النجوم فقال: (إِنِّي سَقِيمٌ) ليخلفوه ويتركوه؛ ليكسر أصنامهم التي يعبدونها على ما فعل من الكسر والنحت، ويذكرون أنه إنما نظر في النجوم؛ لأن قومه كانوا يعملون بالنجوم ويستعملونها وعلم النجوم، فإن كان ذلك، فهو - واللَّه أعلم - أراد أن يرى من نفسه الموافقة لهم ليلزمهم الحجة عند ذلك وهو ما ذكر في قوله: (هَذَا رَبِّي)، و (هَذَا أَكْبَرُ)، ونحوه، قال ذلك على إظهار الموافقة لهم من نفسه؛ ليكون إلزام الحجة عليهم والصرف عما هم عليه أهون وأيسر؛ إذ هكذا الأمر بالمعروف في الخلق أن من أراد أن يصرف آخر عن مذهب أو دين أنه إذا أظهر من نفسه الموافقة له كان ذلك أهون عليه.