يحتاجوا إلى أن يقولوا: (مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا)، بل يقولون: إن إبراهيم فعل ذلك بها، ولا كان لقول إبراهيم: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، معنى، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَزِفُّونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: يمشون إليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يسرعون؛ وهو قول أبي عَوْسَجَةَ. وأصل التزفيف: كأنه المشي فيه سرعة، على ما يسرع المرء في المشي إذا أصابه شيء أو فعل به أمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥)
يسفههم بعبادتهم ما ينحتون بأيديهم ويتخذونها بأنفسهم، على علم منهم أنها لا تملك نفعًا ولا ضرًّا، والذي نحتها أولى بالعبادة له أي: أولى بأن يعبد - إن كان يجوز العبادة لمن دونه - من ذلك المنحوت؛ إذ هو يملك شيئًا من النفع والضر والمنحوت لا، فإذا لم تعبدوا الناحت لها والمتخذ وهو أقرب وأنفع، فكيف تعبدون ذلك المنحوت الذي لا يملك شيئا وتركتم عبادة الذي خلقكم وخلق أعمالكم؟!
ثم من أصحابنا من احتج على المعتزلة بهذه الآية في خلق أفعال العباد؛ يقولون: أخبر - عليه السلام - عن خلق أنفسهم وعن خلق أعمالهم حيث قال: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦) لكنهم يقولون: ليس فيه دلالة خلق أفعالهم؛ ألا ترى أنه قال عليه السلام: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) وهم لا يعبدون النحت إنما يعبدون ذلك المنحوت؛ فعلى ذلك لم يخلق أفعالهم وأعمالهم، ولكن خلق ذلك المعمول نفسه، وانله أعلم.
لكن الاحتجاج عليهم من وجه آخر في ذلك كأنه أقرب وأولى وهو أن صير ذلك المعمول خلقا لله تعالى بقوله: (خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)؛ لأنهم إنما يعبدون ذلك المعمول وهو، مخلوق لله دل أن عملهم الذي عملوا به مخلوق؛ لذلك قلنا: إن فيه دلالة خلق أعمالهم، واللَّه أعلم ووهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) إنما صار التواب والمتطهر محبوبًا لحبه التوبة والتطهر، وصار المعتدي غير محبوب لبغضه الاعتداء، فعلى ذلك المعمول صار مخلوقًا بخلقه عمله، واللَّه أعلم.