وقَالَ بَعْضُهُمْ: سيهديني لدينه وذلك أول ما هاجر من الخلق، أي: ليعلم دينه، وقد ذكر في حرف حفصة: (إني مهاجر إلى ربي سيهدين)، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)
كأنه قال: رب هب لي غلامًا واجعله من الصالحين، دليل ذلك ما ذكر له من البشارة بالغلام، فدلت البشارة له بالغلام على أثر ذلك على أن سؤاله كان سؤال الغلام.
ثم فيه دليل جواز سؤال الولد الذكر ربَّه، لكنه يسأله بشرط الصلاح والطيب كما سأل الأنبياء وسأله إبراهيم - عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، وقال زكريا - عليه السلام -: (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، وما ذكر وحكي عنهمِ مدحًا لهم وثناء عليهم حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، يجب على من يسأل ربه الولد أن يسأله على هذه الشرائط التي سالته الأنبياء - عليهم السلام - فيكون سؤالهم الولد على ذلك سؤالا لله - عَزَّ وَجَلَّ - وما يصلح لقيامه لأمره وعبادته، فأما أن يسأله إياه لذة لنفسه وسرورًا له في الدنيا فلا.
ثم يحتمل قوله: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ...)، إلى آخر ما ذكر وجهين:
أحدهما: أي: هب لنا من أزواجنا وذريتنا ما تقر به أعيننا.
أو هب لنا من أزواجنا من الولد والذرية ما تقر به أعيننا على ما سأل زكريا - عليه السلام - حيث قال: (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).
ثم فيه دلالة أن الولد هبة اللَّه لهم وعطاء لهم؛ ولذلك قال: (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم - واللَّه أعلم - نعني: ما صار الولد هبة من اللَّه.
وقوله: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)
يصير حليمًا إذا بلغ مبلغ الامتحان بالأعمال والأمر والنهي، أي: بشرناه بغلام حليم يحلم فيما امتحن إذا بلغ مبلغًا يمتحن فيه، قال قتادة: " إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لم يذكر أحدا ولا وصفه بالحلم سوى إبراهيم وولده الذي بشر به "، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ... (١٠٢)
أي: بلغ بحيث يقدر أن يسعى معه إلى حيث أمر هو أن يسعى ويمشي معه وهي