آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ)، أخبر هاهنا أنه لم ينفع قومًا إيمانهم عند معاينتهم العذاب إلا قوم يونس، وكذلك ذكر - عَزَّ وَجَلَّ - في آية أخرى: أنه لم ينفع الإيمان عند معاينة العذاب حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ - في آية أخرى: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)، ثم [لا يُدرَى] أنه إنما يقبل إيمان قوم يونس؛ لأنهم آمنوا عند خروج يونس - عليه السلام - من بين أظهرهم قبل أن يقبل العذاب عليهم، لما كانوا يعلمون أن الرسول متى ما خرج من بينهم بعد ما أوعدهم بالعذاب أن العذاب ينزل بهم لا محالة، فآمنوا به، وإن لم يعاينوا.
أو أن يكون العذاب قد أقبل عليهم فعاينوه عند معاينتهم فعند ذلك آمنوا.
فإن كان الأول فهو بأنهم إنما آمنوا به عند خروجه منهم فهو مستقيم قبل إيمانهم؛ لأنهم لم يؤمنوا عند معاينتهم العذاب، ولكن إنما آمنوا قبل ذلك.
وإن كان الثاني، فجائز أن يكون قبل إيمانهم ونفعهم إيمانهم وإن عاينوا العذاب؛ لما عرف - جل وعلا - أن إيمانهم كان حقا وهم صادقون في ذلك محققون، لم يكونوا دافعين العذاب عن أنفسهم إلا بإيمان حقيقة، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)
وقوله: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ).
الاستفتاء والسؤال يخرج على أربعة أوجه:
إن كان الاستفتاء والسؤال من عليم خبير لأهل الجهل يكون تقريرًا وتنبيهًا إذا لم يكونوا أهل عناد، وإذا كانوا أهل عناد فهو تسفيه وتوبيخ لهم.
وإذا كان الاستفتاء من جاهل مصدق طالب رشد لعليم خبير، يكون استرشادًا وطلب الصواب.
وإذا كان من معاند مكابر، فهو يخرج على الاستهزاء به والسخرية؛ كقولهم: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ)، إنما قالوا ذلك استهزاء به.
ثم ما ذكر من الاستفتاء لهَؤُلَاءِ إنما يكون تسفيها منه لهم في قولهم: لله - عَزَّ وَجَلَّ - ولد، والملائكة بنات اللَّه سبحانه ونحوه من الفرية العظيمة التي لا فرية أعظم منها ولا