عليه الصلاة والسلام - لكنهم عاندوه وكابروه وكفروا به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)
علم عيان ومشاهدة؛ إذ عرفوا علم خبر بالحجة والآيات، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ)، اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الرسل - عليهم السلام - كانوا منصورين لم يغلب رسول قط فإنما قتل: الأنبياء ورسل المرسلين الذين يبلغون رسالة الرسل إلى قومهم ويخبرون عنهم، فأما الرسل أنفسهم فهم لم يقتلوا ولا قتل أحد منهم؛ عصمهم اللَّه تعالى عن الناس وعما هموا بهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إنهم منصورون لما نصر العاقبة لهم؛ إذ لم يكن رسول إلا وقد كانت العاقبة له وإن غلب في الابتداء.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) بالحجج والآيات والبراهين أنهم يغلبون بحججهم وآياتهم ويرفعون بها الشبه والتمويهات، واللَّه أعلم.
ويستدل صاحب التأويل الأول بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)، وفي بعض القراءات: (قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا)، أخبر أنهم وإن قتلوا فإنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، ثم أخبر أنه آتاهم اللَّه ذلك حيث قال: (فَآتَاهُمُ...)، كذا، واللَّه أعلم؛ دل أنه وإن غلبوا وقتلوا فهم المنصورون.
ثم قوله: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) ذكر (إِنَّهُمْ لَهُمُ) بحرفين ومعناهما واحد على التأكيد؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ)، وقوله: (إِنِّي أَنَا اللَّهُ)، وإن كان الواحد كافيًا، كما في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (١٧٣) أي: رسلنا أو أتباعنا وأولياؤنا هم الغالبون على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤)
يحتمل أي: لا تكافئهم بأذاهم إياك إلى حين أو لا تقاتلهم، فكيفما كان ففيه وجهان من الدليل: أحدهما: دليل على رسالته حيث أخبر أنهم يكونون على الكفر إلى الحين الذي ذكر ويهلكون على ذلك حيث قال: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ).