وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً... (١٩)
أي: مجموعة مسخرة، أي: سخرت له الطير أيضاً.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: كل له مطيع.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كل له مسبح، فإن كان قوله - عَزَّ وَجَلَّ -. (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ)، أي: مطيع، فهو يحتمل مطيع لداود، وإن كان الأواب هو المسبح، فهو لا يحتمل لداود، لكن لله تبارك وتعالى، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) جائز أن يكون لا على إرادة حقيقة العشي والإشراق، ولكن على إرادة التسبيح معه في كل وقت؛ فيكون العشي كناية عن الليل والإشراق كناية عن النهار، يخبر أنهن يسبحن في كل وقت من الليل والنهار، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون يسبحن في العشيات والغدوات خاصة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ - لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حيث قال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)، واللَّه أعلم.
ثم جائز أن يكون ما ذكر من تسبيح هذه الأشياء صلاة (يُسَبِّحْنَ) أي: يصلين لله؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)، دل أن لها صلاة، واللَّه أعلم.
ومن الناس من يقول: تسبيح هذه الأشياء التي ذكر هو تسبيح خلقة لا تسبيح نطق وكلام، لكن لو كان على هذا، لكان لا معنى لذكر تسبيحهن مع داود - عليه السلام - إذ ذا مع داود وغيره في كل وقت؛ دل أنه على تسبيح النطق، وإن كان على الصلاة، فهو ألا يجوز الصلاة لأحد حتى تشرق الشمس وترتفع؛ حيث ذكر إشراق الشمس، واللَّه أعلم.
ثم من الناس من حمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْإِشْرَاقِ) على صلاة الضحى، وهو قول ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - ذكر عنه أنه سأل أم هانئ عن صلاة الضحى: هل كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فعل في بيتها؟ فأخبرته أنه فعل، قال ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: وقلت: أي: صلاة الإشراق، وهذه صلاة الإشراق، يعني: صلاة الضحى، والله


الصفحة التالية
Icon