كذا كذا نعجة وللآخر واحدة فغلب صاحب النعاج الكثيرة على صاحب النعجة الواحدة فأخذها، أليس يكون ظالمًا أو يكون باغياً؟! ليس على التحقيق، ولكن لما ذكرنا يقرران عنده الزلة ويمثلان به القضية، لا أن كانت له على ما يقوله أهل التأويل ويقررونه، وقد ذكر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أشياء كثيرة على التمثيل والتقرير على تقرير أشياء غفلوا عنها وسهوا فيها ليتقرر ذلك عندهم؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون خصومة هَؤُلَاءِ الملائكة عند داود - عليه السلام - وما كان منهم من القول والخصومة ليتقرر ما كان منه من الهفوة والزلة ليعرف ذلك ويرجع عنه، واللَّه أعلم.
ثم قول أهل التأويل: إن طائرًا وقع بين يديه قريبًا منه فنظر إليه وصار معجباً به، فهم أن يأخذه وارتفع إلى كوة المحراب فصعد ليأخذه فوقع بصره على امرأة فأعجبته، فإن هذا يحتمل أن يكون، وأما قولهم: أدام النظر أما هذا فإنه لا يحتمل أن يكون مثل داود أو نبي من الأنبياء - عليهم السلام - أنه يديم النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، وأما الأول من الذهاب لطلب ذلك الطائر والنظر إليه أنه من أين؟ وإلى ماذا؟ فذلك يحتمل أن يكون، ثم هو يكون معذورًا في الصعود إلى الكوة والارتفاع للنظر إلى الطائر؛ لما كان الطيور حشرت له وسخرت في التسبيح معه والطاعة له، فجائز أن يكون له البحث والفحص عن حال ذلك الطائر على ما أخبر عن سليمان حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ)، فإذا كان ما ذكرنا: هو في الصعود إلى الكوة والارتفاع إلى ذلك معذورًا، لكن وقع بصره عليها بلا قصد منه ولا علم بحالها ومال قلبه إليها لحسنها وجمالها، وذلك ما يكون بلا تكلف ولا صنع، وذلك مما لا يملك دفعه؛ نحو ما كان من ميل قلب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى امرأة زيد ووعد لها نكاحها حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)، وما ذكر من بعث زوجها إلى القتال ليقتل فهذا أيضاً غير محتمل، لكن يحتمل بعثه إياه ليجاهد أعداء اللَّه وكان ذلك فرضاً عليه، فصار مقتولا فيه من غير أن يتوهم منه أنه قصد قتله وإهلاكه، واللَّه أعلم.
فَإِنْ قِيلَ: كيف عوتب كل هذا العتاب، حتى بعث إليه الملائكة بالخصومة عنده والتمثيل لما ذكر وتقرير ذلك عنده، ثم أخبر أنه غفر له بعد طول المدة، إن كان معذورًا في ذلك غير مؤاخذ به؟!
قيل: إن الأنبياء - صلوات اللَّه عليهم - أجمعين كانوا يؤاخذون بأدنى شيء كان منهم ما لا يؤاخذ غيرهم بذلك، بل يعدّ ذلك منهم من أرفع الخصال وأجلها نحو ما عوتب يونس - عليه السلام - في خروجه من بين قومه؛ ليسلم دينه أو نفسه، لكنه خرج بلا إذن


الصفحة التالية
Icon