والثالث: ذكر زلاتهم ليعلموا -أعني: الخلق- كيف عاملوا ربهم عند ارتكابهم الزلات والعثرات؟ فيعاملون ربهم عند ارتكابهم ذلك على ما عامله الرسل بالبكاء والتضرع والفزع إليه والتوبة على ذلك، واللَّه أعلم.
أو أن يكون ذكرها؛ ليعلم أن ارتكاب الصغائر لا يزيل الولاية ولا يخرجه من الإيمان، وذلك على الخوارج بقولهم: إن من ارتكب صغيرة أو كبيرة خرج من الإيمان.
أو أن يكون ذلك؛ ليعلم أن الصغيرة ليست بمغفورة، ولكن له أن يعذب عليها، وليس على ما قالت المعتزلة أن ليس لله أن يعذب أحدًا على الصغيرة، واللَّه أعلم.
وزلات الأنبياء - عليهم السلام - في قلوب الناس، فخافوا عليها، فلولا أنهم عرفوا أن لله أن يعذبهم عليها وإلا لم يخافوا منها كل ما ذكر منهم، يذكر عن الحسن أن داود جزأ الدهر أجزاء: يومًا لنسائه، ويومًا لعبادة ربه، ويومًا لقضاء بني إسرائيل، ويومًا لعباد بني إسرائيل: يذكرهم ويذكرونه، ويبكيهم ويبكونه، فلما كان يوم بني إسرائيل ذكروا فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب به ذنبًا؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك، قال: فلما كان يوم عبادته غلق أبوابه وأمر ألا يدخل عليه أحد، فأكب على الزبور يقرأها فابتلي بما ذكروا، قال: ولذلك سمي: أوَّابًا، واللَّه أعلم.
وابن عَبَّاسٍ وهَؤُلَاءِ قالوا: " إنه كان له تسع وتسعون امرأة، فكان يكون عند كل امرأة يومًا فإذا كان رأس المائة يفرغ للعبادة، ففي ذلك اليوم أصابه ما أصابه ".
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) أي: غالبني في الكلام، أراد إذا تكلم أن يكون أبين مني، وإذا دعا ودعوت كان أكثر مني أو ما قلت أن يكون أعرض، على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ... (٢٥)
أي: زلته التي كانت منه وعثرته، وما يقول أهل التأويل: ربه أوحى إليه: أني قد غفرت لك، لكن لابد أن يتعلق بك أوريَّا في رءوس الخلائق، ثم أستوهبك منه أو عوض كذا - فذلك مما لا نقول به ولا نعلم ذلك، ولا يصح ذلك، ولا يستقيم على ما ذكرنا نحن: أنه لم يكن منه أوريَّا ما يلحقه ما يذكرون، إنما أمره بمجاهدة أعداء اللَّه وكان له أن يأمر، إلا أنه عوتب؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يعاتبون بأدنى شيء كان منهم، ويعيرون على ذلك؛ لذلك كان ما ذكرنا، وقد عرفنا أنه كان منه شيء عوتب عليه، ثم