علمنا أن ربه غفر له بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ)، فأما ما سوى ذلك الذي ذكره أهل التأويل فلا نعرفه، فإن صح شيء منه يقال به، وإلَّا الترك أولى به وأسلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ).
يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) في باقي عمره، أي: له في باقي عمره ما يزلفه لدينا، ويقربه عندنا، واللَّه أعلم.
أو أن يكون له زلفى عنده في الآخرة، أي: له كرامة ومنزلة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (٢٦)
يحتمل قوله: في جملة أهل الأرض من الرسل والأنبياء والملوك وغيرهم على الشريف والوضيع، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) في الرسل خاصة، وكلا التأويلين يرجعان إلى واحد، إلا أن أحدهما يرجع إلى العامة منهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى).
ثم لم ينهه عن هوى النفس، ولكن نهاه عن اتباع هواها أن النفس قد تهوى في الحكم بغير حق حيث قال: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى)؛ لأن النفس أنشئت على الهوى والميل إلى اللذات والشهوات وعلى ذلك طبعت وبنيت؛ فيكون في هواها إلى ما تهوى مدفوعًا غير مالك ولا قادر على دفعه؛ لذلك لم ينه عن هواها ولكن نهاه عن اتباع هواها، ويقدر على منعها بالعقل وردها إلى اتباع الحق؛ لذلك كان ما ذكر، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
ذكر أنه لو اتبع هواها أضله عن سبيله، ولا كل هوى إذا اتبعه المرء، أضله عن سبيله، لكنه إذا اتبعه في شيء بعد شيء يحمله على الإضلال عن سبيله؛ إذ من ضل عن سبيله إنما يضل لاتباعه هواه؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ): أخبر أن من اتخذ إلها دونه إنما اتخذه بهواه لا بحجة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).
أي: تركوا الأعمال التي تعمل ليوم الحساب.
أو (بِمَا نَسُوا) أي: بما تركوا الإيمان به والإقرار، واللَّه أعلم.