ويحتمل، (مَا تَعْبُدُونَ) أي: من تعبدون؟ فقالوا: (نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) أي: نقيم عاعابدين، أي: نديم على عبادتها، والعكوف على الشيء: هو الإقامة عليه والدوام.
قال أبو معاذ النحوي: " ظَلَّ " لا يقال إلا بالنهار، ومحال أن يقال: ظل ليله يصنع كذا، حتى يقول: بات ليله، ومنه الحديث: " ظل نهاره صائمًا، وبات ليله قائمًا ".
ثم قال، يبين سفههم: (يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) يحتمل قوله: (يَسْمَعُونَكُمْ) أي: هل يجيبونكم إذ تدعونهم.
ويحتمل: هل يسمعونكم على السماع نفسه، أي: هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم؛ كقوله: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ) الآية.
وقوله: (إِذْ تَدْعُونَ): يحتمل تعبدون، ويحتمل الدعاء نفسه، وإن كان على العادة فلا يحتمل تأويل السماع.
وقوله: (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) وهل يقدرون على نفعكم وضركم إن أرادوا ذلك بكم وشاءوا.
أو أن يكون ما ذكر أهل التأويل: هل ينفعونكم إن عبدتموها وأطعتموها، أو يضرونكم إن عصيتموها وتركتم عبادتها، فبهتوا ولم يقدروا على الجواب له سوى ما ذكروا من تقليد آبائهم في ذلك فقالوا: (بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) لما عرفوا أن تلك التي عبدوها لا تملك ضرا ولا نفعًا، لكنهم عبدوها تقليدًا لأبائهم؛ لما وقع عندهم أن آباءهم ما عبدوها إلا بأمر، إذ لو لم يكن ذلك بأمر ما تركوا، لكن قد ذكر أن في آبائهم من لم يعبدها قط، ثم لم يقلدوهم فكيف قلدوا أُولَئِكَ؟! دل أن الاعتلال فاسد.
وقوله: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) ثم قال: إنهم وآباءهم الذين عبدوا الأصنام من قبل عدو له [(إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧)] استثنى رب العالمين، يقول: هم عدو لي وأنا بريء منهم، إلا أن يكون فيهم من يعبد رب العالمين، فيكون على الإضمار،


الصفحة التالية
Icon