وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ما كان اختصامهم في الكفارات وفي الدرجات وفي المنجيات والموثقات حتى علمني اللَّه ذلك بالوحي إليَّ وأعلمني ذلك، ويذكرون أن الكفارات هو إسباغ الوضوء في المكروهات وبذل الطعام عند الضيق والشدائد ونحوها مما يطول ذكره، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) أي: بالجمع الأعلى وهو جمع يوم القيامة، سماه: الجمع الأعلى؛ لأنه جمع الأولين والآخرين من الفرق جميعًا، أي: ما كان لي من علم بذلك الجمع حتى علمت بالوحي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ يَخْتَصِمُونَ).
في ذلك اليوم تقع الخصومات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)، وهو على حقيقة الخصومة.
وجائز أن يكون الملأ الأعلى هم الأشراف من أُولَئِكَ الكفرة والقادة، منهم الذين أهلكوا بالتكذيب ومن نجا منهم بالتصديق؛ يقول: ما كان لي من علم بهم وما نزل بهم أوحي إلَّي فعلمت بالوحي، كأنهم سألوه عن ذلك فأخبر، أي: كنت كواحد منكم في ذلك حتى علمت ذلك بالوحي، ألا إنما أنا نذير مبين أمرني ربي وأوحى إليَّ أن أنذركم بذلك حين أعلم بالوحي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١)
ظاهر هذا أن يكون لا على القول منه لهم، ولكن على الخبر أنه كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم ذكر الذي خلق منه آدم على أوصاف مختلفة: مرة ذكر أنه خلق من طين، ومرة من تراب، ومرة من حمأ مسنون، ومرة كالصلصال، ومرة كالفخار، ومرة لازب وغيره على اختلاف ما ذكر؛ فجائز أن يكون كل وصف من ذلك قد كان وصف عن حال، كان ترابًا، ثم صار طينًا ثم ما ذكر ووصف، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي... (٧٢)
إضافة الروح إلى نفسه كإضافة خلق من خلائقه إليه؛ إذ الروح خلق من خلائقه كسائر الخلائق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
لولا صرف أهل التأويل سجود الملائكة لآدم إلى حقيقة السجود وإلا كنا نصرفه


الصفحة التالية
Icon