فمن قرأه بالرفع فيكون معناه - واللَّه أعلم - (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) أي: مني يكون الحق على هذا.
ومن قرأه على النصب فهو على التأكيد؛ تأكيدًا على ما ذكر على أثره كأنه يقول: أقول الحق الحق، وهو يقول: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥).
ثم جائز أن يحتج بهذه الآية على المعتزلة فيقال لهم: أراد اللَّه تعالى أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره الذي أخبر أنه كان يكون، أو لم يرد أن ينجز ما وعد وألا يخرج خبره على الصدق.
فإن قالوا: لم يرد، أعظموا القول؛ لأنهم زعموا أنه أراد أن يخلف ما وعد، وأن يكذب في خبره، فذلك عظيم القول حيث وصفوا ربهم بالسفه؛ لأن من أراد أن يخلف وعده وأن يكذب في خبره، فهو سفيه على زعم من قال ذلك.
وإن قالوا: أراد أن ينجز ما وعد وأن يصدق خبره، فيقال لهم: أراد أن يتبعوا إبليس، أو أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوه؟
فإن قالوا: أراد أن يؤمنوا ولا يتبعوا إبليس، فيقال: أراد أن يجور ويظلم على زعمكم؛ لأنه أراد أن يملأ جهنم ولم يرد ما يستوجبون ذلك؛ فدل على أن اللَّه تعالى علم أنه يكون منهم، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
وقوله: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ).
هذا يحتمل وجوهًا:
أحدها: لا أسألكم على ما أدعوكم من الشرف والذكر في الدنيا والآخرة من أجر، ولا أجد في الشاهد من يبذل للآخر من الشرف أو الذكر ولا يعطيه ذلك إلا بأجر، فكيف تتركون اتباعي ولا تقبلون ذلك مني؟!
أو يقول: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر، فيمنعكم ثقل ذلك الأجر وذلك الغرم عن إجابتي؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)، أي: لست تسألهم أجرًا حتى يمنعهم ثقل ذلك الغرم عن الإجابة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
قال عامة أهل التأويل: وما أنا ممن تكلف ذلك من تلقاء نفسي، ولا أمرتكم بما


الصفحة التالية
Icon