لو لم يكن من عنده لخرج مختلفًا متناقضًا على ما يخرج حديث الناس وخبرهم مختلفًا ومتناقضًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (مَثَانِيَ) قال أهل التأويل: سماه: مَثَانِيَ؛ لما ثنّى فيه أنباؤه وقصصه مرة بعد مرة، وأصله: أنه سماه: مَثَانِيَ؛ لأنه ذكر فيه المواعظ والذكرى وكررها في غير موضع، لما لو لم يكررها غفلوا عنها، وسهوا عنها؛ لأن الحكيم إذا وعظ أحدًا عظة وزجره وسها عنه كررها عليه، وكرر - عَزَّ وَجَلَّ - عليهم المواعظ والزواجر؛ ليكونوا أبدًا متعظين متذكرين لذلك - واللَّه أعلم - لكيلا يغفلوا عنها ولا يسهوا.
وقوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) قال أهل التأويل: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) عند تلاوة آية الرهبة والخوف، وتلين قلوبهم عند تلاوة آية الرحمة.
وجائز أن يكون ذلك لهم بجميع القرآن بما فيه من الرحمة والرهبة جميعًا يكون فيهما الموعظة: تلين قلوبهم وتقشعر جلودهم وتخاف أنفسهم؛ لأن آية الرحمة ليست بأحق بتليين القلوب من آية الرهبة، بل آية الرهبة أحق بذلك.
وقتادة يقول: كانت جلودهم تقشعر، وعيونهم تبكي، وقلوبهم تطمئن إليه، ولا تذهب عقولهم، ولا يغشى عليهم، كما رأينا أهل البدع يفعلونه، وإنما ذلك من الشيطان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) قد بين سبيل الهدى والحق، وحججه وبراهينه، وبين سبيل الضلالة والباطل، فمن سلك سبيل الهدى فبتوفيقه سلك، وبمعونته اهتدى، ومن سلك طريق الكفر والباطل فبخذلانه ضل وزاغ.
وقوله: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) أخبر أن من أضله اللَّه فلا هادي له، وعلى ما قال في المعيشة والرزق؛ قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ)، وقال - عَزَّ وَجَلَّ - في الضراء والخير؛ حيث قال: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)، ذكر في الضلال والهدى ما ذكر في الرزق والضر والخير، ذلك أن لله في فعلهم وصنعهم تدبيرًا، ليس على ما تقوله المعتزلة أن لا تدبير لله في ذلك، وأن من اهتدى إنما يهتدي بنفسه، ومن ضل وزاغ إنما ذلك بنفسه، لا تدبير لله في ذلك، فالآية


الصفحة التالية
Icon