أو أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) لما بلغت المحاجة غايتها في الدِّين والدنيا، ولم تنجع فيهم ولا قبلوها أخبر أنهم يختصمون في ذلك يوم القيامة في الوقت الذي يعاينون العذاب، ويظهر لهم الحق، فينقادون لها في ذلك الوقت، فلا ينفعهم ذلك، واللَّه أعلم.
وفي حرف ابن مسعود: (إنك مائت وإنهم مائتون) والعرب تقول: مات يمات فهو مائت.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٣٢) يقول: لا ظلم أعظم ولا أفحش مما يكذب على من يتقلب في إحسانه، ويتصرف في نعمائه، وأنتم تتقلبون في نعم اللَّه وأنواع إحسانه، فلا ظلم أعظم ولا أفحش من الكذب عليه.
(وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ) ولا ظلم أعظم وأفحش من تكذيب خبره ورده؛ إذ لا خبر أصدق من خبره، ولا حديث أحق من حديثه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ) كأنه يقول: أليس جهنم كافٍ للكافرين مثوى؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا)، أي: حسبهم جهنم عقوبة لهم بكفرهم وتكذيبهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) اختلف أهل التأويل فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ): جبريل، عليه السلام، (وَصَدَّقَ بِهِ): مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ): مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (وَصَدَّقَ بِهِ) أبو بكر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ) مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - (وَصَدَّقَ بِهِ) أصحابه جميعًا.
قلنا: أهل التأويل على اختلافهم اتفقوا أن الذي جاء به جبريل أو مُحَمَّد هو التوحيد، فإن كان التأويل ما ذكر أهل التأويل، فعلى ذلك قوله: (ذَلِكَ جَزَآءُ الْمُحَسِنِينَ) أي: الموحدين، ففيه نقض قول الخوارج والمعتزلة أنَّ صاحب الكبيرة ليس بمؤمن، وأنه يخلد