بَشَرٌ)، وإنه (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ)، وإنه (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قد ظهر كذبهم بهذا فيما بينهم؛ لأنهم متى رأوه اختلف إلى واحد منهم يعلمه ذلك؟! أو متى رأوه كتب شيئًا قط أو يحسن الكتابة قط؟! وقولهم: (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)؟!
فإذا عرف تلك الأنباء والأحاديث التي كانت من قبل -ولا شك أنها لم تكن بلسانه، وإنما كانت بلسان أُولَئِكَ- دل إخباره عما في كتبهم بلسانه أنما عرف ذلك باللَّه تعالى.
وقوله: (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) وقال أهل التأويل: غدوًّا وعشيًّا، فلو كان على ذلك لكان يحضرونه في البكرة والعشي، فيسمعون ويشاهدون ما يملى عليه؛ إذ الوقت وقت الحضور، ولكن -عندنا- كأنهم أرادوا بالبكرة والعشيّ: أول الليل وآخره، الأوقات التي هي ليست بأوقات الحضور والجلوس، يقولون: يأتونه سرًّا فتملى عليه ويعلمه، فلو كان ذلك أيضًا لكانوا يراقبونه ويحافظونه سرًّا؛ ليعرفوا ذلك ويشاهدوه، فإذا لم يفعلوا ذلك دل أنهم كانوا يعرفون صدقه، وأنهم كذبة في زعمهم، لكنهم كابروه وعاندوه في ذلك.
ثم أخبر أنه إنما أنزل عليه الذي يعلم السر في السماوات والأرض؛ حيث قال: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦) ليس بمختلق منه ولا مفترى، ثم قوله: (يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: يعلم الأعمال الخفية والسرية من أهل السماوات والأرض، أي: يعلم الكوائن التي في السماوات والأرض وخفياتها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) أي: قل لهم يا مُحَمَّد: أنزله - أي: هذا القرآن - الذي يعلم السر؛ وذلك أنهم قالوا بمكة سرًّا: (مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، فإنه بشر مثلكم، بل هو ساحر (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)، ففي ذلك دلالة إثبات رسالته؛ لأنهم قالوا سرًّا فيما بينهم ثم أخبرهم بذلك، دل أنه باللَّه عرف ذلك.
وقوله: (إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) في تأخير العذاب عنهم، (رَحِيمًا) حين لا يعجل عليهم بالعقوبة إذا تابوا ورجعوا عن التكذيب إلى التصديق على ما ذكرنا. وقوله: (إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) في تأخير العذاب، يحتمل قوله: (غَفُورًا رَحِيمًا) إذا تابوا عن ذلك وآمنوا به ورجعوا إلى الحق، أو غفور رحيم لا يعجل بالعقوبة أي: برحمته وفضله لا يعجل بعقوبتهم؛ لعلهم يتوبون.


الصفحة التالية
Icon