بيني وبينهم قضاء، أي: اقض عليهم بالعذاب والهلاك، ألا ترى أنه قال: (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)؛ فدل سؤاله نجاة نفسه ومن معه من المؤمنين على أن قوله: (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا) سأل ربه هلاك من كذبه، وهو ما قال في قصة أخرى: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ)، الذي وعدت أنه ينزل بهم، وهو العذاب، فعلى ذلك هذا.
ثم لا يحتمل أن يكون هذا منه في أول تكذيب كان منهم، بل كان ذلك بعد ما أيس من إيمانهم؛ لأنه لبث فيهم ما قال اللَّه تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما، وفي كل ذلك دعاهم إلى توحيد اللَّه، وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد ما أخبره اللَّه تعالى عن أمرهم وأياسه عن ابمانهم، فقال: (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)، وأذن له بالدعاء عليهم بما دعا؛ إذ الأنبياء - صلوات اللَّه عليهم - لا يدعون على قومهم بالهلاك إلا بإذن من اللَّه في ذلك؛ ألا ترى أنه ذكر عتاب يونس بالخروج من بينهم بلا إذن كان من اللَّه له بالخروج من بينهم، فإذا عوتب هو بالخروج بلا إذن فلا يحتمل أن يدعو بالهلاك بلا إذن، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) قيل: المملوء.
قال أبو معاذ: والعرب تقول: شحنت السفينة فلم يبق إلا الدفع: وهو السوق، وتقول العرب: شحنا عليهم بلادهم خيلا ورجالا، أي: ملأناها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المشحون: المجهز الذي قد فرغ منه فلم يبق إلا دفعه؛ وهو واحد.
وإنما شحنت بأصناف من الخلق وإلا كان المؤمنون قليلي العدد، وهو ما قال فيها: (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)، أخبر أنه أنجى من كان معه في الفلك المشحون، وأهلك الباقين.
وقوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً (١٢١) أي: في نبأ نوح الآية لمن كان بعدهم.
أو إن في هلاك قوم نوح وإغراقهم لعبرة لمن بعدهم.
(وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ...) إلى آخر القصة قد ذكرناه.
* * *
قوله تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هَذَا