المكان الذي فيه النار وما حولها؛ لأنه قال له في آية أخرى: (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)، أي: طوي فيه البركات.
وقال في آية: (بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، عن بركة ذلك المكان؛ فعلى ذلك لو جاز أن يعبر بحرف (مَن) عن غير المميز والفهم، ويكنى به - جاز صرف التأويل إلى ما ذكرنا من المكان.
أو يقال: (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا)، أي: بورك ما في النار من النور وما حول ذلك، وما يستنار به ويستضاء، وهو ما استفاد به من النبوة والرسالة.
هذا كله إذا جازت العبارة والكناية بحرف (مَن) عن غير ذي التمييز والفهم، فإن جاز هذا لاستقام أن يقال هذا.
أو أن يكون التأويل منصرفًا إلى ما ذكره في حرف ابن مسعود وأُبي على طرح حرف (من) وحرف (في) ذكر: أن في حرفهما: (نودي أن بوركت النار ومن حولها)، وذلك جائز في اللغة أن يقال: بورك في فلان وبورك فلانٌ وبوركت وبورك فيك؛ وكذلك ذكر عن الكسائي أنه قال ذلك، فإن كان ما ذكر عن ابن مسعود وأبئ ثابتًا صحيحًا - لم يقع فيه شبهة ولا ريب.
أو إن لم يجز العبارة بحرف (من) عن غير ذي التمييز، فجائز أن يصرف حرف (من) إلى موسى؛ فيكون كأنه قال: بورك في الذي أتى النار وهو موسى، أو بورك فيمن جعل له اقتباس النار؛ فينصرف تأويل (من) إلى موسى، وقد جعل له من البركة في تلك النَّار ما لا يحصى من استفادة النبوة والإرشاد إلى الطريق والاصطلاء وغير ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): ذكر هذا - واللَّه أعلم - تنزيهًا عن جميع ما قاله بعض أهل التأويل؛ تبرئة منه عن ذلك كله من نحو مقاتل، ومن قال بمثل قوله مما يؤدي إلى التشبيه والشبه.
وقوله: (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) أي: الذي أعطاك ذلك اللَّه العزيز الحكيم.
أو يقول: إن الذي جعل لك ذلك اللَّه العزيز الحكيم. أو أن يقول: إنه الذي أراك هذا وأكرمك به أنا اللَّه العزيز الحكيم.
أو أن يقول: إن الذي أراك - أي: الذي جعل لك ذلك - اللَّه العزيز الحكيم؛ العزيز: الذي لا يعجزه شيء، الحكيم: المصيب في فعله غير مخطئ، أو أن يقال: عزيز لا يذل أبدًا قط؛ لأنه عزيز بذاته، يضع كل شيء موضعه لا يخطئ.