لتوهم التعلم منهم بلسانهم، والنقل بلسان نفسه؛ فدل أنه إنما عرف باللَّه تعالى، وقوله: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا).
أي: لينذر أهل أم القرى وأهل من حولها من القرى.
ثم يحتمل تسمية مكة: أم القرى وجوهًا ثلاثة:
أحدها: سماها: أم القرى؛ لما منها دحيت سائر الأرضين والقرى.
والثاني: سماها: أم القرى؛ لأنها أول بيت وضع للناس، وأول بناء بني في الأرض، فسماها لذلك: أمّ القرى، واللَّه أعلم.
والثالث: سماها: أم القرى؛ لما على الناس أن يؤموها ويقصدوها بالزيارة، ولأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أول ما بعث رسولا فيها، فإليها يؤم ويقصد بالدعوة أول ما يؤم ويقصد، ثم من بعد ذلك يؤم إلى سائر القرى والبلدان، ويقصد، والأَمُّ: القصد، ومنه أخذ التيمم؛ ولذلك سمّاها: أمّ القرى، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ)، أي: وينذر بيوم الجمع.
ويحتمل أن يكون قوله: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ)، أي: ينذر بالقرآن يوم الجمع لا ريب فيه.
وقوله: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) قد بين اللَّه - تعالى - السبيلين جميعًا على الإبلاغ، وبين عاقبة كل سبيل إلى ماذا يفضي من سلكها، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨) يخبر أن عنده من اللطائف والقدرة، ما لو شاء لجعلهم جميعًا أمة واحدة وعلى دين واحد، وهو ما قال: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ...) الآية، فلو جعل ذلك لأهل التوحيد والإيمان، لكانوا جميعًا على دين الإسلام؛ على ما أخبر أنه لو كان ذلك مع أهل الكفر لكانوا جميعًا أهل كفر.
ثم قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) لا يحتمل مشيئة الجبر والقسر على ما يقوله المعتزلة لوجوه:
أحدها: لما لا يكون الإيمان في حال الجبر والقهر؛ لأنه لا صنع لهم في ذلك، ولا اختيار لهم.
والثاني: أنّ كل أحد بشهادة الخلقة مؤمن موحد لله - تعالى - ثم لم يصيروا بذلك مؤمنين؛ فعلى ذلك بالجبر والقهر؛ إذ في الحالين يكون فعل المؤمن إنما هو فعل غيره؛ فدل أنه أراد أن يشاء منهم ما يكون مختارين في الإيمان لا مجبورين.