ويحتمل أن يكون اختلافهم الذي ذكر هو اختلافهم في اللَّه - تعالى - كقوله: (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ).
وقوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي)، أي: ذلكم الذي اختلفتم فيه هو ربي (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)، أي: عليه اعتمدت، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، أي: إليه أرجع.
ثم نعته فقال: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... (١١) وقال هو في موضع آخر: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وفي موضع آخر: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، وقال في موضع آخر: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
قال بعض الباطنية: المبدع: هو الذي ينشئ الأشياء لا من شيء، والخالق: هو الذي ينشئ الشيء من شيء ولا من شيء، والفاطر: هو الذي ينشئ من شيء أو نحوه من الكلام.
وعندنا أن هذه الأسماء وإن اختلفت ألفاظها وافترق اشتقاقها ومأخذها، فهي في المعاني واحدة، الإبداع هو الإنشاء بلا احتذاء سبق، والخلق هو الإنشاء والتقدير، لكن غيره لا يجوز أن يسمى: خالقًا؛ لأنه لا يقدر على تقدير شيء إلا على مشاهدة: عاينه ورآه، والفاطر كأنه مأخوذ من الشق، يشق الشيء ويخرج منه أشياء، كله خلق، وفاعله خالق على الحقيقة، وهو اللَّه تعالى، وباللَّه القوة والتوفيق.
وقوله: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) أي: جعل من نفس آدم وحواء - عليهما السلام - أزواجًا نسبنا جميعًا إليهما؛ لأنهما الأصل، وإنا جميعًا إنما كنا من ذلك الأصل، وهو كنسبته إيانا إلى التراب بقوله: (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ)، وإنما خلق أصلنا من التراب، لكنه نسبنا إليه؛ لما منه كنا جميعًا؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) أي: من نفس آدم وحوّاء، ونسبنا إليهما؛ لما منهما كنا جميعًا، واللَّه أعلم.
والثاني: يقول: جعل بعضكم من بعض أزواجًا أي: حلائل، أي: خلق الإناث من الرجال، والرجال من الإناث، وهو ما ذكر في آية أخرى: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا...) الآية.
والثالث: أي: جعل لكم من مثل خلقكم أزواجا؛ أي: أصنافًا وأشكالا، جعل الخلائق كلها ذات أشكال وأمثال، وذات أزواج، وكذلك يخرج قوله: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا) على وجهين:
أحدهما: يقول - واللَّه أعلم -: إنه جعل الأنعام - أيضًا - ذات أزواج وأشكال.