ويحتمل أن يكون رحيمًا بارًّا بالفريقين، أما في حق المؤمنين لا شك أنه بار رحيم بهم، وأما الكفرة: بار في حقهم، حيث أخر عنهم العذاب في الدنيا.
ثم في حق المحنة يجوز أن يوصف بالرحمة في الفريقين جميعًا على ما ذكرنا.
فَإِنْ قِيلَ: إنه وصف بالحلم والرحمة، وقد أخبر أنه يعذبهم في الآخرة.
قيل: إنه وإن عذبهم فإن ذلك لا يخرجه عن الحلم والرحمة؛ لأنه لو ترك تعذيبهم يكون سفيهًا؛ لأنهم قد استحقوا بالكفر التعذيب أبدًا، وليس في التعذيب خروج عن الرحمة والحلم؛ بل في ترك التعذيب سفه وخروج عن الحكمة؛ لذلك كان ما ذكرنا، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) قد ذكرنا في قوله - تعالى -: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ)، تأويله ومعناه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه لا يقوى بشيء مما أمرهم به وامتحنهم، ولا يعز بذلك؛ لأنه قوي بذاته، عزيز بنفسه.
والثاني: (الْقَوِيُّ) في الانتقام والانتصار من أعدائه لأوليائه، (الْعَزِيزُ): الذي لا يعجزه شيء، ولا يلحقه الذل في ترك الطاعة له والائتمار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) جعل اللَّه - تعالى - الدنيا مزارع لأهلها ما زرعوا فيها حصدوا ذلك في الآخرة، إن زرعوا خيرًا حسنًا حصدوا خيرًا ونعيمًا في الآخرة، وإن زرعوا شرًّا وسوءًا، حصدوا في الآخرة شرًّا وعذابًا دائمًا.
وكذلك صيّرها متجرًا يتجّرون فيها، فإن اتجروا خيرًا وحسنًا ربحوا في الآخرة، وإن اتجروا شرًّا وسوءًا خسروا في الآخرة.
وكذلك صيرها مسلكًا إلى الآخرة، والآخرة غاية لها، فإن سلكوا سبيل الخير وما أمروا به أفضى بهم ذلك إلى الخير والنعيم الدائم والسرور، وإن سلكوا سبيل الشر وما نهوا عنه أفضى بهم إلى العذاب الدائم والحزن الدائم.
وما ذكر في غير آي من القرآن من قوله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ...) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ...) الآية، وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى...) الآية، وقوله: (اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ)، وقوله -


الصفحة التالية
Icon